للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«الرَّحمن» دون غيره من الأسماء الحسنى لأنَّ كلَّ اسمٍ منها إنمَّا يُذكَر في المكان اللَّائق به، وهذا من محاسن البديع الواقع في الكتاب العزيز وغيره من الفصيح كقوله تعالى: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: ١٠] وكذلك هنا لمَّا كان (١) جزاء من يسبِّح بحمده تعالى الرَّحمة ذكر في سياقها الاسم المناسب لذلك وهو «الرَّحمن» (خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ) لِلِين حروفهما وسهولة خروجهما، فالنُّطق بهما سريعٌ وذلك لأنَّه ليس فيهما من حروف الشِّدَّة المعروفة عند أهل العربيَّة وهي: الهمزة والباء الموحَّدة والتَّاء المثنَّاة الفوقيَّة والجيم والدَّال والطَّاء المهملتان والقاف والكاف، ولا من حروف الاستعلاء أيضًا، وهي: الخاء المعجمة والصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء والغين المعجمة والقاف، سوى حرفين الباء الموحَّدة والظَّاء المعجمة، وممَّا يُستثقَل أيضًا من الحروف: الثَّاء المثلَّثة والشِّين المعجمة، وليستا (٢) فيهما، ثمَّ إنَّ الأفعال أثقل من الأسماء، وليس فيهما فعلٌ، وفي الأسماء أيضًا ما يُستثقَل كالذي لا ينصرف، وليس فيهما شيءٌ من ذلك، وقد اجتمعت فيهما حروف اللِّين الثَّلاثة: الألف والواو والياء، وبالجملة فالحروف السَّهلة الخفيفة فيهما أكثر من العكس (ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ) حقيقةً لكثرة الأجور المدَّخَرة لقائلهما، والحسنات المضاعفة للذَّاكر بهما (٣) وقوله: «حبيبتان» و «خفيفتان» و «ثقيلتان» صفةٌ لقوله: «كلمتان» وفي هذه الرِّواية تقديم «حبيبتان» وتأخير «ثقيلتان» وقوله: (سُبْحَانَ اللهِ) اسم مصدرٍ لا مصدرٌ، يقال: سبَّح يسبِّح تسبيحًا؛ لأنَّ قياس «فعَّل» -بالتَّشديد- إذا كان صحيح اللَّام «التَّفعيل» كالتَّسليم والتَّكريم، وقيل: إنَّ «سبحان» (٤) مصدرٌ؛ لأنَّه سُمِع له فعلٌ ثلاثيٌّ، وقول الشَّاعر:

سبحانه ثمَّ سبحانًا يعود له … وقبلنا سبَّح الجوديُّ والجمد

يساعد من قال: إنَّ «سبحان» مصدرٌ لوروده منصرفًا، قاله في «اللُّباب» وغيره، وقال بعض الكبراء: إنَّ فيه وجوهًا: أحدها: أنَّه مصدرٌ تأكيديٌّ كما في ضربت ضربًا، فهو في قوَّة قولنا: أسبِّح الله تسبيحًا، فلمَّا حُذِف الفعل أضيف المصدر إلى المفعول، ومعنى: «أسبِّح الله» أي:


(١) في (ص): «وكذلك كان هنا».
(٢) في غير (ب) و (س): «وليسا».
(٣) في (د): «المضاعفة لذاكرها».
(٤) في (ص): «وقيل: سبحان الله».

<<  <  ج: ص:  >  >>