للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعبدُونها من دونِ الله، فقال -إلزامًا للحجَّة-: (﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾) يا ساكنيهِ، أو يا صاحِبيَّ فيه، وأضافَهما إليه على الاتِّساع (﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ﴾) شتَّى متعدِّدة مُتساوية.

(وَقَالَ الفُضَيْلُ) بنُ عياض (لِبَعْضِ الأَتْبَاعِ: يَا عَبْدَ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: «وقال الفضيلُ عند قولهِ: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾» (﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾) الَّذي ذلَّ كلُّ شيءٍ لعزِّ (١) جلالهِ وعظيمِ (٢) سُلطانه، ولا يُغَالب ولا يُشَارك في الرُّبوبيَّة (﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾) خطابٌ (٣) لهما ولمن كان على دينهمَا من أهل مصر (﴿مِن دُونِهِ﴾) تعالى (٤) (﴿إِلاَّ أَسْمَاء﴾) لا حقيقةَ لها (﴿سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم﴾) آلهةً ثمَّ طفقتُم تعبدونها، فكأنَّكم لا تعبدونَ إلَّا الأسماء لا مسمَّياتها (﴿مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا﴾) بتسميتِهَا (﴿مِن سُلْطَانٍ﴾) حجَّة (﴿إِنِ الْحُكْمُ﴾) في أمرِ العبادة والدِّين (﴿إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ﴾) على لسانِ أنبيائهِ (﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾) بيانٌ لقولهِ: ﴿إِنِ الْحُكْمُ﴾ (﴿ذَلِكَ﴾) الَّذي أدعوكُم إليه من التَّوحيد وإخلاصِ العمل هو (﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾) الحقُّ المستقيمُ الَّذي أمرَ الله به، وأنزلَ به الحجَّة والبرهان (﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾) فلذا كان أكثرُهم مُشركين، ثمَّ عبر الرُّؤيا فقال: (﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا﴾) يعني: الشَّرابيَّ (﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾) سيِّده (﴿خَمْرًا﴾) كما كان يسقيهِ قبلُ (﴿وَأَمَّا الآخَرُ﴾) يعني: الخبَّاز (﴿فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ﴾) فقالا: كذَّبنا، فقال يوسف (﴿قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾) فهو واقعٌ لا محالةَ، فإنَّ الرُّؤيا على رجل طائرٍ ما لم تعبر، فإذا عُبرت وقعتْ. وفي «مسند أبي يعلى الموصلي» عن أنسٍ مرفوعًا: «الرُّؤيا لأوَّل عابرٍ» (﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا﴾) الظَّانُّ يوسف إن كانَ تأويلُه عن اجتهادٍ، وإن كانَ عن وحي (٥) فالظَّانُّ الشَّرابيُّ، أو الظَّنُّ بمعنى: اليقين، وما تقدَّم في قولهِ: ﴿قُضِيَ الأَمْرُ﴾ يقتضِي اليقين (﴿اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾) اذكرْ قصَّتي عند سيِّدك (٦)، وهو


(١) في (د): «لعزة».
(٢) في (د) و (ع): «عظم».
(٣) في (د): «خطابًا».
(٤) في (د): «من دون الله تعالى».
(٥) في (ص): «الوحي».
(٦) في (د): «ربك».

<<  <  ج: ص:  >  >>