للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المنافقين الَّذين لا يستحقُّون الرُّؤية وهُم عن ربِّهم محجوبون، أو أنَّ ذلك ابتلاءٌ، والدُّنيا وإن كانت دار ابتلاءٍ فقد يتحقَّق فيها الجزاء في بعض الأحوال، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] فكذا الآخرة، وإن كانت دار جزاءٍ فقد يقعُ فيها الابتلاءُ بدليل أنَّ القبر وهو أوَّل منازل الآخرة يجري فيه الابتلاءُ بالسُّؤال وغيره، وآثار التَّكاليف لا تنقطعُ إلَّا بعد الاستقرار في الجنَّة أو النَّار، والتَّحقيق أنَّ التَّكليف خاصٌّ بالدُّنيا، وما يقعُ في القبر والموقفِ آثار ذلك (فَيَقُولُ) الله لهم: (أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ) لأنَّه أتاهم بصورةِ الأمر باتِّباع الباطل، فلذا يقولون: (هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ) بما سبق لنا من معرفتهِ ﷿ أنَّه (١) لا يأمرنا بباطلٍ، وأنَّه منزَّه عن صفاتِ هذه الصُّورة؛ إذ سماتُها سمات المحدثات، ورجَّح القاضي عياضٌ أنَّ في قوله: «فيأتيهم الله» محذوفًا (٢) تقديره: فيأتيهم (٣) بعضُ ملائكة الله. قال: ولعلَّ هذا الملَك جاءهم في صورةٍ أنكروها لِمَا فيها من سمةِ الحدث (٤) الظَّاهرة؛ لأنَّه مخلوقٌ.

وقال القرطبيُّ: هذا مقام الامتحان يَمتحن الله به عبادهُ؛ ليميز المحقَّ من المبطلِ، وذلك أنَّه لمَّا بقي المنافقون والمراؤون مختلطينَ بالمؤمنين والمخلصين زَاعمين أنَّهم منهم، وأنَّهم عملوا مِثل عملِهم وعرفوا الله مِثل مَعْرفتهم ظانِّين أنَّ ذلك يجوزُ في ذلك الوقت، كما جاز في الدُّنيا، امتحنهم الله بأن أتاهُم بصورةٍ هائلةٍ قال للجميع: أنا ربُّكم، فأجابَهُ المؤمنون بإنكار ذلك حتَّى إنَّ بعضهم ليكاد أن يتقلَّب؛ أي (٥): يزلَّ فيوافقَ المنافقين، وقال في «المُفْهِم»: وهذا لمن لا يكون له رسوخُ العلماء، ولعلَّهم (٦) الَّذين اعتقدوا الحقَّ وحوَّموا عليه من غير بصيرةٍ، ولذا كان اعتقادُهم قابلًا للانقلاب.


(١) في (ع): «لأنه».
(٢) في (د): «محذوف».
(٣) في (ع) و (ص): «يأتيهم».
(٤) في (ب) و (س): «الحدوث».
(٥) في (د): «أن».
(٦) في (س): «ولا علمهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>