للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الضَّرر والنَّفع، خُصوصًا ما لا يحلُّ إلَّا لانتفاءِ مصلحةِ ضدِّهِ القائمِ كالطَّلاق فإنَّه يستدعي تمام العقل ليُحْكِمَ به التَّمييز في ذلك الأمر، ولم يكفِ (١) عقلُ الصَّبي العاقلِ لأنَّه لم يبلغِ الاعتدال، بخلافِ ما هو حسنٌ لذاتهِ بحيث لا يقبلُ حُسْنه السُّقوط وهو الإيمان، حتَّى صحَّ من الصَّبيِّ العاقل، ولو فُرض لبعض الصِّبيان المراهقين عقلٌ جيِّدٌ لا يعتبر في التَّصرفات لأنَّ المدارَ البلوغُ لانضباطهِ فتعلَّق به الحكم، وبهذا يبعدُ ما نُقل عن ابن المسيَّب أنَّه إذا عَقَل الصَّبيُّ الطَّلاق جازَ طلاقه، وعن ابنِ عمر جواز طلاق الصَّبيِّ ومرادُه العاقل، ومثلُه عن (٢) الإمامِ أحمد، والله أعلم بصحَّة هذه (٣) النُّقول، قاله الشَّيخ كمال الدِّين ابن الهمام رحمه الله تعالى.

وعن ابن عبَّاسٍ عند ابنِ أبي شَيبة: «لا يجوزُ طلاق الصَّبيِّ» وسبقَ في هذا الباب قول عثمان: «ليس لمجنونٍ، ولا لسكرانَ طلاقٌ». وزيادة ابن عبَّاسٍ: «المستكرَه». وفي مسألة السَّكران خلافٌ عالٍ (٤) بين التَّابعين ومَن بعدهم، فقال بوقوعهِ من التَّابعين: سعيد بن المسيَّب، وعطاء، والحسن البصريُّ، وإبراهيم النَّخعيُّ، وابنُ سيرين، ومجاهدٌ، بل قال به من الصَّحابة عثمانُ وابنُ عبَّاسٍ كما مرَّ، وبه قال مالك والشَّافعيُّ وأحمدُ في روايةٍ مشهورةٍ عنه والحنفيَّة، فيصحُّ منه مع أنَّه غير مكلَّفٍ تغليظًا عليه، ولأنَّ صحَّته من قبيلِ ربط الأحكامِ بالأسبابِ كما قاله الغزاليُّ في «المستصفى»، وأجابَ عن قوله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: ٤٣] الَّذي استندَ إليه الجُوينيُّ وغيره في تكليفِ السَّكران لأنَّ المرادَ به من هو في أوائل السُّكر، وهو المنتشِي لبقاءِ عقله، وانتفاءِ تكليف السَّكران (٥) لانتفاء الفَهم الَّذي هو شرط التَّكليف، والمراد بالسَّكران الَّذي يصحُّ طلاقُه ونكاحُه، ونحوهما من زالَ عقلهُ بما أثمَ به من شُربٍ مُسكرٍ متعدٍّ بشربه.

وقال ابن الهمام: وكونُ (٦) زوالِ عقلِه بسببٍ هو معصيةٌ لا أثرَ له، وإلَّا صحَّتْ ردَّتُه، ولا


(١) في (م): «يكن».
(٢) في (م) و (د): «عند».
(٣) «هذه»: ليست في (د).
(٤) «عال»: ليست في (م) و (د).
(٥) «لأنَّ المراد به مَن هو في أوائل السُّكر، وهو المنتشي لبقاء عقله، وانتفاء تكليف السَّكران» ليس في (د).
(٦) «وكون»: ليست في (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>