للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بلزوم الثَّلاث لمن أوقعَها مجتمعةً. وفي «الموطأ» بلاغًا: قال رجلٌ (١) لابن عبَّاس: «إنِّي طلَّقت امرأتِي مئةَ طلقةٍ فماذا ترى؟ فقال ابنُ عبَّاس: طلقت منك ثلاثًا، وسبعٌ وتسعون اتَّخذت بها آياتِ الله هُزوًا». وقد أُجيب عن قوله: «كان طلاقُ الثَّلاث واحدةً» بأنَّ النَّاس كانوا في زمنهِ يطلِّقون واحدةً، فلمَّا كانوا في زمان عُمر كانوا يطلِّقون ثلاثًا. ومحصله: أنَّ المعنى: أنَّ الطَّلاق الموقعَ في زمن عُمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدةً لأنَّهم كانوا لا يستعجلون (٢) الثَّلاث أصلًا، وكانوا يستعملونها (٣) نادرًا، وأمَّا في زمن عمر فكثُر استعمالهم لها. وأمَّا قوله: فأمضاهُ عليهم، فمعناه: أنَّه صنعَ فيه من الحكمِ بإيقاعِ الطَّلاق ما كانَ يصنعُ قبله. انتهى.

وقال الشَّيخُ كمال الدِّين بن الهمَّام: تأويلُه: أنَّ قول الرَّجل: أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، أنت طالقٌ، كان واحدةً في الزَّمن الأوَّل لقصدهم التَّأكيد في ذلك الزَّمان، ثمَّ صاروا يقصدون التَّجديد، فألزمَهم عمر بذلك؛ لعِلمه بقصدِهم، قال: وما قيل في تأويلهِ: إنَّ الثَّلاث الَّتي يوقعونها الآن إنَّما كانت في الزَّمن الأوَّل واحدةً، تنبيه على تغيُّر الزَّمان ومخالفة السُّنَّة فيُشْكِل؛ إذ لا يتَّجه حينئذٍ قوله: فأمضاهُ عمرُ. واختلفوا مع الاتِّفاق على الوقوعِ ثلاثًا هل يُكره، أو يحرمُ، أو يباحُ، أو يكون بدعيًّا، أو لا؟ فقال الشَّافعيَّة: يجوزُ جمعها ولو دفعةً، وقال اللَّخميُّ من أئمةِ المالكيَّة: إيقاع الاثنتين مكروهٌ، والثَّلاث ممنوعٌ لقوله تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: ١] أي: من (٤) الرَّغبة في المراجعةِ والنَّدم على الفُرْقة (٥). ولنا (٦): قوله تعالى: ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء﴾ [البقرة: ٢٣٦] و ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] وهذا يقتضِي الإباحة، وطلَّق رسول الله حفصةَ، وكان الصَّحابة يطلِّقون (٧) من غير نكيرٍ حتَّى رُوي: أنَّ مغيرةَ بن شعبةَ كان له أربعُ نسوةٍ فأقامهنَّ بين يديه صفًّا، فقال: أنتنَّ حسناتُ الأخلاقِ،


(١) «رجل»: ليست في (د).
(٢) في (م) و (د): «يستعملون».
(٣) في (ص): «يستعجلونها».
(٤) في (م): «في».
(٥) في (م) و (د): «في الفراق».
(٦) في (د): «وكذا».
(٧) في (د): «ويطلقوهن».

<<  <  ج: ص:  >  >>