للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أرطاةَ، وتمسَّكوا في ذلك بحديث ابن إسحاق، عن داودَ بن الحصينِ، عن عِكرمة، عن ابن عبَّاسٍ -المرويِّ عند أحمدَ وأبي يَعلى، وصحَّحه بعضهم- قال: طلَّق رُكَانةُ بن عبدِ يزيد امرأتَه ثلاثًا في مجلسٍ واحدٍ، فحزنَ عليها حزنًا شديدًا، فسأله النَّبيُّ : «كيفَ طلَّقْتَها؟» قال: ثلاثًا في مجلسٍ واحدٍ. فقال النَّبيُّ : «إنَّما تلكَ واحدَةٌ فارتَجِعْها إِن شئتَ فارتجعَهَا».

وأُجيب بأنَّ ابن إسحاقَ وشيخه مختلفٌ فيهما مع معارضتهِ بفتوى ابن عبَّاس بوقوع الثَّلاث، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- وبأنَّه مذهبٌ شاذٌّ فلا يعمل به إذ هو منكرٌ، والأصحُّ ما رواه أبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه: أنَّ رُكانة طلَّق زوجته البتَّة، فحلَّفه رسول الله أنَّه ما أراد إلَّا واحدةً فردَّها إليه، فطلَّقها الثَّانية في زمن عمر، والثَّالثة في زمن عثمانَ. قال أبو داود: وهذا أصحُّ. وعُورض بأنَّه نقل عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وعبد الرَّحمن بن عوفٍ، والزُّبير، كما نقله ابن مُغيث في «كتاب الوثائق» له، ونقلَه ابنُ المنذر عن أصحاب ابنِ عبَّاسٍ كعطاء وطاوسَ وعَمرو بن دينارٍ. بل في مسلم من طريقِ عبد الرَّزَّاق، عن مَعمرٍ، عن عبدِ الله بن طاوس عن أبيه (١)، عن ابن عبَّاس، قال: «كان الطَّلاق على عهدِ رسولِ الله وأبي بكرٍ وسنتين من خلافةِ عمرَ طلاق الثَّلاث واحدةً. فقال عمرُ: إنَّ النَّاس قد استعجلوا في أمرٍ كان لهم فيه أناةٌ، فلو أمضيناهُ عليهم فأمضاهُ عليهم»، وقال الشَّيخ خليلٌ من أئمَّة المالكيَّة في «توضيحه»: وحكى التَّلمسانيُّ عندنا قولًا بأنَّه إذا أوقعَ الثَّلاث في كلمةٍ (٢) إنَّما يلزمه واحدةً، وذكر أنَّه في «النوادر» قال: ولم أرهُ. انتهى.

والجمهور على وقوع الثَّلاث، فعند أبي داود بسندٍ صحيحٍ من طريقِ مجاهدٍ (٣)، قال: «كنتُ عند ابن عبَّاسٍ فجاءه رجلٌ، فقال: إنَّه طلَّق امرأتَه ثلاثًا، فسكت حتَّى ظننتُ (٤) أنَّه رادها إليه، ثمَّ قال: ينطلقُ أحدُكم فيركبُ الأحموقةَ، ثمَّ يقول: يا ابن عبَّاسٍ، يا ابن عبَّاسٍ، يا ابن عبَّاسٍ (٥) إنَّ الله قال: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] وأنت لم تتقِ الله فلم أجدْ لك مخرجًا، عصيتَ ربَّك، وبانتْ منك امرأتكَ». وقد رُوي عن ابنِ عبَّاس من غير طريقٍ: أنَّه أفتى


(١) قوله: «عن أبيه» زيادة من «مسلم» ليست في كل النسخ.
(٢) في (ص) زيادة: «إنه».
(٣) في الأصول: «بن مجاهد» والتصحيح من مصادر التخريج.
(٤) في (م) و (د): «ظننا».
(٥) «يا ابن عباس»: ليست في (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>