للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كنسبة التِّسع مئةٍ من الألف، وقد ثبت في القرآن والسُّنَّة: أنَّ أصل الجنِّ النَّار، كما أنَّ أصل الإنس الطِّين. فإن قلت: إذا ثبت أنَّهم من النَّار، فكيف تحرقهم الشُّهب عند استراقهم السَّمع، والنَّار لا تحرق النَّار؟ أجيب بأنَّه ليس المراد أنَّ الجنِّيَّ نارٌ حقيقةً وإن كان أصله منها، كما أنَّ الآدميَّ ليس طينًا وإن كان أصله منه، وفي حديث عروض الشَّيطان (١) له في صلاته: أنَّه خنقه (٢) حتَّى وجد برد ريقه على يده، ولو كانت ذاته نارًا محرقةً لَمَا كان له ريقٌ باردٌ، بل ولا ريقَ أصلًا. وقد اختُلِف في صفتهم: فقال أبو يَعلى بن الفرَّاء: هم أجسامٌ مُؤلَّفةٌ وأشخاصٌ مُركَّبةٌ، يجوز أن تكون رقيقةً، وأن تكون كثيفةً؛ إذ لا يمكن معرفتها على التَّعيين إلَّا بالمشاهدة، أو بإخبار الله تعالى أو رسوله ، وكلٌّ مفقودٌ، وقول المعتزلة: «إنَّما هم أجسامٌ رقيقةٌ ولرقَّتهم لا نراهم» مردودٌ، فإنَّ الرِّقَّة ليست بمانعةٍ (٣) عن الرُّؤية، ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها، وقد روى (٤) إسحاق في «المبتدأ» عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ: لمَّا خلق الله سوميا أبا الجنِّ -وهو الَّذي خُلِقَ من مارجٍ من نارٍ- قال : تَمَنَّ، قال: أتمنَّى أن نَرى ولا نُرَى، وأن نغيب في الثَّرى، وأن يصير كهلُنا شابًّا، قال: فأُعطِي ذلك، فهم يَرون ولا يُرَون، وإذا ماتوا، غُيِّبوا في الثَّرى، ولا يموت كهلهم (٥) حتَّى يعود شابًّا، يعني: مثل الصَّبيِّ، ثمَّ يُرَدُّ إلى أرذل العمر. انتهى. فخلق الله تعالى في عيون الجنِّ إدراكًا يرون به الإنس ولا يرونهم (٦). لأنَّه تعالى لم يخلق لهم ذلك الإدراك، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٧] وهو يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيصٍ. قال ابن عساكر في كتاب «الزَّهادة في طلب الشَّهادة» فيما نقله


(١) في (ص) و (م): «الشَّياطين».
(٢) في (د) و (م): «له حقيقةٌ».
(٣) في (م): «مانعةً».
(٤) زيد في غير (ب) و (س): «ابن».
(٥) زيد في (د) و (م): «إلَّا».
(٦) في (ب): «يراهم»، ثمَّ زيد في (د): «الإنس».

<<  <  ج: ص:  >  >>