أحكام الدُّنيا عليه، فما وجه الجمع بينهما؟ أُجِيب: بأنَّ المسألة مُختلَفٌ فيها؛ فقال جماعةٌ: لا يكفي مجرَّد التَّصديق، بل لا بدَّ من القول والعمل أيضًا، وعليه البخاريُّ، أو المُرَاد بالخروج هو بحسب حكمنا به، أي: الحكم بالخروج لمن كان في قلبه إيمانٌ ضامًّا إليه عنوانه الذي يدلُّ عليه إذ الكلمة هي شعار الإيمان في الدُّنيا، وعليه مدار الأحكام، فلا بدَّ منهما حتَّى يصحَّ الحكم بالخروج. انتهى. وقال ابن بطَّالٍ: التَّفاوت في التَّصديق على قدر العلم والجهل، فمن قلَّ علمه كان تصديقه مثلًا بمقدار ذَرَّةٍ، والذي فوقه في العلم تصديقه بمقدار بُرَّةٍ أو شعيرةٍ، إلَّا أنَّ التَّصديق الحاصلَ في قلبِ كلِّ واحدٍ منهم لا يجوز عليه النُّقصان، وتجوز عليه الزِّيادة بزيادة العلم والمُعايَنة، وبالجملة؛ فحقيقة التَّصديق واحدةٌ لا تقبل الزِّيادة والنُّقصان، وقدَّم «الشَّعيرة» على «البُرَّة» لكونها أكبرَ جرمًا منها، وأَخَّرَ «الذَّرَّة» لصغرها، فهو من باب التَّرقِّي في الحكم وإن كان من باب التَّنزُّل.
وفي هذا الحديث: الدَّلالة على زيادة الإيمان ونقصانه، ودخول طائفةٍ من عصاة (١) الموحِّدين النَّارَ، وأنَّ الكبيرة لا يُكفَّر مَنْ عملها ولا يُخلَّد في النار، ورواته كلُّهم أئمَّةٌ أَجِلَّاءُ بصريُّون، وفيه: التَّحديث والعنعنة، وأخرجه البخاريُّ أيضًا في «التَّوحيد»[خ¦٧٤١٠]، ومسلمٌ في «الإيمان»، والتِّرمذيُّ في «صفة جهنَّم»، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
(قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ، وفي رواية ابن عساكرَ بحذف:«قال أبو عبد الله» كما في الفرع وأصله (قَالَ أَبَانُ) -بفتح الهمزة وتخفيف المُوحَّدة، بالصَّرف على أنَّه «فَعَال» كغزالٍ، والهمزة أصلٌ وهي فاء الكلمة، والمنع على أنَّها زائدةٌ، ووزنه «أَفْعَل»، فمُنِعَ لوزن الفعل والعلميَّة، واختاره ابن مالكٍ- ابنُ يزيدَ العطَّار البصريُّ، وللأربعة:«وقال أبان» بواو العطف: (حَدَّثَنَا