للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى في سورة التوبة: ﴿وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ (١) [التوبة: ٣٢]: فإن قلت: كيف جاز: أبى الله إلَّا كذا، ولا يُقال: كرهت أو أبغضت إلَّا زيدًا؟ قلت: قد أُجري «أبى» مجرى «لم يُرِد»، ألا ترى كيف قوبل ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بقوله: ﴿وَيَأْبَى اللّهُ﴾؟ وكيف أوقع موقع: ولا يريد الله إلَّا أن يُتِمَّ نورَه؟ (فَسَمِعَ النَّبِيُّ ) ذلك من بَرِيْرة على سبيل الإجمال (فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ) (النَّبِيَّ ) به على سبيل التَّفصيل، زاد في «الشُّروط» [خ¦٢٧٢٦]: فقال: «ما شأنُ بَرِيْرَة؟» ولمسلمٍ من رواية أبي أسامة، ولابن خُزَيْمةَ من رواية حمَّادِ بن سلمةَ وأحمدَ كلاهما عن هشامٍ: فجاءتني بريرة والنَّبيُّ جالسٌ، فقالت لي فيما بيني وبينها ما ردُّ أهلِها، فقلت: لاها اللهِ إذًا، ورفعتُ صوتي وانتهرتها، فسمع ذلك النَّبيُّ ، فسألني، فأخبرته (فَقَالَ) لعائشةَ: (خُذِيهَا) أي: اشتريها منهم (وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ) ما أمرها به من شرائِها، وهذا صريحٌ في أنَّ كِتَابَتَها كانت موجودةً قبل البيع، فيكون دليلًا لقول الشَّافعيِّ في (٢) القديم بصحَّة بيع رقبةِ المُكَاتَبِ، ويملكه المشتري مكاتبًا، ويعتق بأداء النجومِ إليه والولاء له، وأمَّا على القول (٣) الجديد: إنَّه لا يصحُّ بيع رقبته؛ فاستُشكِل الحديث، وأجيب بأنَّها عجَزَّت نفسَها، ففسخ مواليها كتابتَها، واستُشكِل الحديث أيضًا من حيث إنَّ اشتراط البائع الولاء لنفسه (٤) مفسدٌ للعقد؛ لمخالفته ما تقرَّر في الشَّرع من أنَّ الولاء لمن أعتق، ولأنَّه شرطٌ زائدٌ على مُقْتَضَى العقد لا مصلحة فيه للمشتري، فهو كاستثناء منفعته، ومن حيث إنَّها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصحُّ، وكيف أذن لها النَّبيُّ في ذلك؟ وأجيب بأنَّ راويَه هشامًا تفرَّد بقوله: «واشترطي لهم الولاء» فيحمل على وَهَمٍ وقعَ له؛ لأنَّه لا يأذن فيما لا يجوز، وهذا منقولٌ عن الشَّافعيِّ في «الأمِّ»، ورأيته عنه في «المعرفة» للبيهقيِّ، وأثبت الرِّواية آخرون، وقالوا: هشامٌ ثقةٌ حافظٌ، والحديث مُتَّفقٌ على صحَّته، فلا وجه لردِّه، وأجاب آخرون: بأنَّ «لهم» بمعنى: عليهم؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: ٧] وهذا مشهورٌ عن


(١) «الآيه»: مثبت من (ب) و (س).
(٢) «في»: مثبت من (د).
(٣) في (ب) و (س): «قوله»، وفي (د ١): «قول».
(٤) «لنفسه»: مثبت من (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>