للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنَّ الرُّؤيا في حديث أبي هريرة منامًا، فيكون سبب النِّسيان الإيقاظ، والأخرى في اليقظة فيكون سبب النسيان الملاحاة، وحاصله: الحمل على التَّعدُّد.

(وَعَسَى أَنْ يَكُونَ) رُفِع تعيينها (خَيْرًا لَكُمْ) وجه الخيريَّة: أنَّ إخفاءها يستدعي قيام كلِّ الشَّهر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها، واستنبط منه الشَّيخ تقيُّ الدِّين السُّبكيُّ - رحمه الله تعالى - استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها، قال: وجه الدَّلالة: أنَّ الله تعالى قدَّر لنبيِّه أنَّه لم يُخبَر بها، والخير كلُّه فيما قدَّره له، ويُستَحَبُّ (١) اتِّباعه في ذلك، قال: والحكمة فيه أنَّها كرامةٌ، والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلافٍ عند أهل الطَّريق، من جهة رؤية النَّفس فلا يأمن السَّلب، ومن جهة أنَّه لا يأمن الرِّياء، ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشُّكر لله بالنَّظر إليها وذكرها للنَّاس، وإذا تقرَّر أنَّ الذي ارتفع علمُ تعيينها تلك السَّنة فهل أُعلِم النَّبيُّ بعد ذلك بتعيينها؟ (٢) فيه احتمالٌ، وشذَّ قومٌ فقالوا: إنَّها رُفِعت أصلًا، وهو غلطٌ منهم، ولو كان كذلك لم يقل النَّبيُّ بعد ذلك: (فَالتَمِسُوهَا) أي: اطلبوا ليلة القدر (فِي) اللَّيلة (التَّاسِعَةِ) والعشرين (وَ) في اللَّيلة (السَّابِعَةِ) والعشرين (وَ) في الليلة (الخَامِسَةِ) والعشرين من شهر رمضان، وقد استُفيد التَّقدير بالعشرين واللَّيلة من رواياتٍ أُخَر كما لا يخفى، ولو كان المراد رفع وجودها -كما زعم الرَّوافض- لم يأمرهم بالتماسها، وقد أجمع من يُعتَدُّ به على وجودها ودوامها إلى آخر الدَّهر، وقد وقع الأمر بطلبها في هذه الأحاديث في أوتار العشر الأواخر وفي السَّبع الأواخر، وبينهما تنافٍ وإن اتَّفقا على أنَّ محلَّها منحصرٌ في العشر الأواخر، والأوَّل -وهو انحصارها في أوتار العشر الأخير- قولٌ حكاه القاضي عياضٌ وغيره، قال الحنابلة: وتُطلَب في ليالي العشر الأخير، وليالي الوتر آكد، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين بن تيميَّة: الوتر يكون باعتبار الماضي، فتُطلب ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاثٍ وعشرين … إلى آخره، ويكون باعتبار الباقي لقوله : «لتاسعةٍ تبقى»، فإن كان الشَّهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، فليلة الثَّانية تاسعةٌ تبقى، وليلة الرَّابعة سابعةٌ تبقى كما فسَّره أبو سعيدٍ، وإن كان الشَّهر ناقصًا كان التَّأريخ بالباقي كالتَّأريخ بالماضي. انتهى. وأمَّا القول بانحصارها في السَّبع


(١) في (ص): «ويُسَنُّ».
(٢) قوله: «تلك السَّنة فهل أُعلِم النَّبيُّ بعد ذلك بتعيينها؟» ليس في (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>