للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإنَّ ذلك من صفات الحيوان، وأُجيب بأنَّه مجازٌ واستعارةٌ لأنَّه جرت عادتنا بتقريب الرَّوائح الطَّيِّبة منَّا، فاستُعير ذلك لتقريبه من الله تعالى، وقال ابن بطَّالٍ: أي: أزكى عند الله؛ إذ هو تعالى لا يُوصَف بالشَّمِّ، قال ابن المُنيِّر: لكنَّه (١) يُوصَف بأنَّه تعالى عالمٌ بهذا النَّوع من الإدراك، وكذلك (٢) بقيَّة المُدرَكات المحسوسات (٣) يعلمها تعالى على ما هي عليه لأنَّه خالقها، ألا يعلم من خلق؟! وهذا مذهب الأشعريِّ، وقيل: إنَّه تعالى يجزيه في الآخرة حتَّى تكون نكهته أطيب من ريح المسك، أو أنَّ صاحب الخلوف ينال من الثَّواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا (٤)، فإن قلت: لِمَ كان خُلُوف فم الصَّائم أطيبَ عند الله من ريح المسك، ودمُ الشَّهيد ريحه (٥) ريح المسك، مع ما فيه من المخاطرة بالنَّفس وبذل الرُّوح؟ أُجيب بأنَّه إنَّما كان أثر الصَّوم أطيب من أثر الجهاد لأنَّ الصَّوم أحد أركان الإسلام المشار إليها بقوله [خ¦٨]: «بُني الإسلام على خمسٍ»، وبأنَّ الجهاد فرض كفايةٍ، والصَّوم فرض عينٍ، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية؛ كما نصَّ عليه الشَّافعيُّ، وروى الإمام أحمد في «المُسنَد» أنَّه قال: «دينارٌ تنفقه على أهلك ودينارٌ تنفقه في سبيل الله، أفضلهما الذي تنفقه على أهلك»، وجه الدَّليل: أنَّ النَّفقة على الأهل التي هي فرض عينٍ أفضل من النَّفقة في سبيل الله، وهو الجهاد الذي هو فرض كفايةٍ، ولا يعارض هذا ما رواه أبو داود الطَّيالسيُّ من حديث أبي قتادة قال: «خطب النَّبيُّ فذكر الجهاد وفضله على سائر الأعمال إلَّا المكتوبة»، فإنَّه يحتمل أن يكون ذلك قبل وجوب الصَّوم، وأمَّا قول إمام الحرمين وجماعةٍ: إنَّ فرض الكفاية أفضل من فرض العين فمخالفٌ لنصِّ الشَّافعيِّ، فلا يُعوَّل عليه، وقد قال للرَّجل الذي سأله (٦) عن أفضل الأعمال: «عليك بالصَّوم؛ فإنَّه لا مثل له» زاد الإمام أحمد عن إسحاق بن الطَّبَّاع عن مالكٍ: يقول الله تعالى: (يَتْرُكُ) الصَّائم (طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ) أي: شهوة الجماع لعطفها على الطَّعام


(١) في (د): «لكن».
(٢) في (د): «وكذا».
(٣) في (د): «كالمحسوسات».
(٤) قوله: «وقيل: إنَّه تعالى يجزيه في الآخرة حتَّى تكون نكهته … ريح المسك عندنا» وقع في (د) بعد قوله السَّابق: «لتقريبه من الله تعالى».
(٥) زيد في (د): «من».
(٦) في (د): «سأل».

<<  <  ج: ص:  >  >>