للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يحرِّمها النَّاسُ، وأجمع أهل العلم على وجوب الجزاء على من صاد بحرمها، ولم يُجمِعوا على وجوبه على من صاد بالمدينة، ومن دخله كان آمنًا، ولم يقل أحدٌ بذلك في المدينة، وكان الذَّنب في حرم مكَّة أغلظ منه في حرم المدينة، فكان ذلك دليلًا على فضلها عليها، قال: ولا حجَّة في الأحاديث المرغِّبة في سكنى المدينة على فضلها عليها، قال: ولا دليل في قوله: «أُمِرت بقريةٍ تأكل القرى» لأنَّه إنَّما أخبر أنَّه أُمِر بالهجرة إلى قريةٍ تُفتَح منها البلاد.

(يَقُولُونَ) أي: بعض المنافقين للمدينة: (يَثْرِبُ) يسمُّونها باسم واحدٍ من العمالقة نزلها، وقيل: يثرب بن قانئة من ولد إرم بن سام (١) بن نوحٍ، وهو اسمٌ كان لموضع منها سُمِّيت كلُّها به، وكرهه لأنَّه من التَّثريب الذي هو: التَّوبيخ والملامة، أو من الثَّرْب؛ وهو الفساد، وكلاهما قبيحٌ، وقد كان يحبُّ الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح ولذا بدَّله بطابة والمدينة، ولذلك قال: يقولون ذلك (وَهْيَ المَدِينَةُ) أي: الكاملة على الإطلاق كالبيت للكعبة، والنَّجم للثُّريَّا، فهو اسمها الحقيق بها لأنَّ التَّركيب يدلُّ على التَّفخيم كقول الشَّاعر:

..................... … همُ القومُ كلُّ القوم يا أمَّ خالدٍ

أي: هي المستحقَّة لأن تُتَّخَذ دار إقامةٍ، وأمَّا تسميتها في القرآن بيثرب (٢) فإنَّما هو حكايةٌ عن المنافقين، وروى أحمد عن البراء بن عازبٍ رفعه: «من سمَّى المدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة، هي طابة»، وروى عمر بن شبَّة عن أبي أيُّوب: أنَّ رسول الله نهى أن يُقال للمدينة: يثرب، ولهذا (٣) قال عيسى بن دينارٍ من المالكيَّة: من سمَّى المدينة يثرب كُتِبت عليه خطيئةٌ، لكن في «الصَّحيحين» في حديث «الهجرة» [خ¦٦٣/ ٤٥ - ٥٨١٥] «فإذا هي يثرب»، وفي روايةٍ: «لا أراها إلَّا يثرب»، وقد يُجاب: بأنَّه قبل النَّهي.

(تَنْفِي) المدينة (النَّاسَ) أي: الخبيث الرَّديء منهم في زمنه ، أو زمن الدَّجَّال (كَمَا يَنْفِي الكِيرُ) بكسر الكاف وسكون التَّحتيَّة، قال في «القاموس»: زِقٌّ ينفخ فيه الحدَّاد، وأمَّا المبنيُّ من الطِّين فكُورٌ (خَبَثَ الحَدِيدِ) بفتح الخاء المعجمة والمُوحَّدة ونصب المُثلَّثة على


(١) في (د): «سنان»، وهو تحريفٌ.
(٢) في (د): «يثرب».
(٣) في (ص): «ولذا».

<<  <  ج: ص:  >  >>