للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلانٍ؛ أي: غلبناهم وظهرنا عليهم، فإنَّ الغالب المستولي على الشَّيء كالمفني له إفناءَ الآكل إيَّاه، وفي «مُوطَّأ ابن وهبٍ»: قلت لمالكٍ: ما «تأكلُ القُرى؟» قال: تَفْتَحُ القُرى، وقال ابن المُنيِّر في «الحاشية»: قال السُّهيليُّ: في التَّوراة يقول الله: يا طابة، يا مسكينة، إنِّي سأرفع أجاجيرك (١) على أجاجير القرى، وهو قريبٌ من قوله: «أُمِرت بقريةٍ تأكل القرى» لأنَّها إذا علت عليها علوَّ الغلبة أكلَتْهَا، أو يكون المراد: يأكل فضلُها الفضائلَ؛ أي: يغلب فضلُها الفضائلَ، حتَّى إذا قيست بفضلها تلاشت بالنِّسبة إليها، فهو المراد بالأكل، وقد جاء في مكَّة: أنَّها أمُّ القرى كما جاء في المدينة: تأكل القرى، لكنَّ المذكور للمدينة أبلغ من المذكور لمكَّة لأنَّ الأمومة لا يُمحَى بوجودها وجود ما هي أمٌّ له، لكن يكون حقُّ الأمِّ أظهر، وأمَّا قوله: «تأكل القرى» فمعناه: أنَّ الفضائل تضمحلُّ في جنب عظيم فضلها، حتَّى تكاد تكون عدمًا، وما تضمحلُّ (٢) له الفضائل أفضل وأعظم (٣) ممَّا تبقى معه الفضائل. انتهى. وهو ينزع إلى تفضيل المدينة على مكَّة، قال المُهلَّب: لأنَّ المدينة هي التي أدخلت مكَّة وغيرها من القرى في الإسلام، فصار الجميع في صحائف أهلها، وأُجيب بأنَّ أهل المدينة الذين فتحوا مكَّة معظمهم من أهل مكَّة، فالفضل ثابتٌ للفريقين، ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وقد استنبط ابن أبي جمرة من قوله [خ¦١٨٨١]: «ليس من بلدٍ إلَّا سيطؤه الدَّجَّال إلَّا مكَّة والمدينة» التَّساوي بين فضل مكَّة والمدينة، ومباحث التَّفضيل بين الموضعين مشهورةٌ، وقال الأبيُّ من المالكيَّة: واختار ابن رشدٍ وشيخنا أبو عبد الله -أي: ابن عرفة- تفضيل مكَّة، واحتجَّ ابن رشدٍ لذلك بأنَّ الله تعالى جعل بها قبلة الصَّلاة وكعبة الحجِّ، وبأنَّه تعالى (٤) جعل لها مزيَّةً بتحريم الله تعالى إيَّاها أنَّ الله حرَّم مكَّة


(١) في (م): «أجاريرك»، وهو تحريفٌ.
(٢) في غير (ص) و (م): «يضمحلُّ».
(٣) في (ب) و (س): «أعظم وأفضل».
(٤) في (د): «وأنَّ الله تعالى».

<<  <  ج: ص:  >  >>