للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعطوا»، وهو مُقدَّرٌ هنا؛ لأنَّ «منع» يستدعي مفعولًا، وقوله: «أن يعطوا» في محلِّ نصبٍ على المفعوليَّة، وكلمة «أن» مصدريَّةٌ، أي: مَنَعَ هؤلاءِ الإعطاءَ (فَقَالَ النَّبِيُّ ) بيانٌ لوجه الامتناع، ومن ثمَّ عبَّر بالفاء: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ) بكسر القاف، مضارع «نقَم» بالفتح، أي: ما يكره وينكر (إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ) من فضله بما أفاء الله على رسوله، وأباح لأمَّته من الغنائم ببركته ، والاستثناء مُفرَّغٌ، فمحلُّ «أن» وصلتها نُصِبَ على المفعول به، أو على أنَّه مفعولٌ لأجله، والمفعول به حينئذٍ محذوفٌ، ومعنى الحديث -كما قاله غير واحدٍ-: أنَّه ليس ثَمَّ شيءٌ ينقم ابن جميلٍ، فلا موجب للمنع، وهذا ممَّا تقصد (١) العرب في مثله تأكيد النَّفي والمبالغة فيه بإثبات شيءٍ، وذلك الشَّيء لا يقتضي إثباته، فهو منتفٍ أبدًا، ويُسمَّى مثل ذلك عند البيانيِّين: تأكيد المدح بما يشبه الذَّمَّ وبالعكس، فَمِنَ الأوَّل: نحو قول الشَّاعر:

ولا عيبَ فيهم غير أنَّ سيوفهم … بهنَّ فُلولٌ من قِراع (٢) الكتائبِ

ومن الثَّاني: هذا الحديث وشبهه، أي: ما ينبغي لابن جميلٍ أن ينقم شيئًا إلَّا هذا، وهذا لا يوجب له أن ينقم شيئًا، فليس ثَمَّ شيءٌ ينقمه، فينبغي أن يعطي ممَّا أعطاه الله ولا يكفر بأنعمه.

(وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا) عبَّر بالظَّاهر دون أن يقول: «تظلمونه» بالضَّمير على الأصل، تفخيمًا لشأنه وتعظيمًا لأمره، نحو: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة: ٣] والمعنى: تظلمونه بطلبكم منه زكاة ما عنده، فإنَّه (قَدِ احْتَبَسَ) أي: وقف قبل الحول (أَدْرَاعَهُ) جمع دِرْعٍ، بكسر الدَّال، وهو الزَّرديَّة (وَأَعْتُدَهُ) التي كانت للتِّجارة على المجاهدين (فِي سَبِيلِ اللهِ) فلا زكاة عليه فيها، وتاء «أعتُده» مضمومةٌ، جمع «عَتَدٍ» -بفتحتين-: ما يعدُّه (٣) الرَّجل من السِّلاح والدَّوابِّ وآلات الحرب، ولأبي ذرٍّ: «وأعتِده» بكسرها، قِيلَ: ورواه بعض رواة البخاريِّ: «وأعبده» بالمُوحَّدة جمع «عبدٍ»، حكاه عياضٌ، وهو موافقٌ لرواية: «واحتبس رقيقه»، ويحتمل أنَّه لم يقبل قول من أخبره (٤) بمنع خالدٍ، حملًا على أنَّه لم يصرِّح بالمنع،


(١) في (د): «يقصد».
(٢) في (ل): «قروع».
(٣) في (د): «يُعِدُّ».
(٤) في (د): «أخبر».

<<  <  ج: ص:  >  >>