للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ففرِّغ نفسك لصلاة اللَّيل (وَقَوْلِهِ) تعالى: (﴿عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ﴾) أي: علم الله أن لن تطيقوا قيام اللَّيل، أو الضَّمير المنصوب فيه يرجع إلى مصدرٍ مقدَّرٍ، أي: علم أن لا يصحَّ منكم ضبطُ الأوقات، ولا يتأتَّى حسابها بالتَّسوية إلَّا بالاحتياط، وهو شاقٌّ عليكم (﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾) رخَّص لكم في ترك القيام المقدَّر (﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾) فصلُّوا ما تيسَّر عليكم من قيام اللَّيل، وهو ناسخٌ للأوَّل، ثم نُسِخا جميعًا بالصَّلوات الخمس، أو المراد: قراءة القرآن بعينها، ثمَّ بيَّن حكمة النَّسخ بقوله: (﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى﴾) لا يقدرون على قيام اللَّيل (﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ﴾) يسافرون (﴿فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ﴾) في طلب (١) الرِّزق منه تعالى (﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾) يجاهدون في طاعة الله (﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾) أي: من القرآن، قيل: في صلاة المغرب والعشاء (﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾) الواجبتين، أو المراد: صدقة الفطر؛ لأنَّه لم يكن بمكَّة زكاةٌ، ومن فسَّرها بها جعل آخر السُّورة من المدنيِّ (﴿وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾) بسائر الصَّدقات المستحبَّة، وسمَّاه قرضًا تأكيدًا للجزاء (﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ﴾) عملٍ صالحٍ وصدقةٍ بنيَّةٍ خالصةٍ (﴿تَجِدُوهُ﴾) أي: ثوابَه (﴿عِندَ اللهِ﴾) (٢) في الآخرة (﴿هُوَ خَيْرًا﴾) نصب ثاني مفعولي «وجد» (﴿وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾) زاد في نسخةٍ: «﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ﴾ لذنوبكم ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ لمن تاب ﴿رَّحِيمٌ﴾ [المزمل: ٢٠] لمن استغفر».

(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ) ممَّا وصله عبد بن حُميد بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن جبيرٍ عنه، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: «قال أبو عبد الله» أي: المؤلِّف: «قال ابن عبَّاس»: (نَشَأَ) بفتحاتٍ مهموزًا معناه: (قَامَ) يتهجَّد (بِالحَبَشِيَّةِ) أي: بلسان الحبشة، وليس في القرآن شيءٌ بغير العربيَّة، وإن ورد (٣) من ذلك شيءٌ فهو من توافق اللُّغتين، وعلى هذا فـ ﴿نَاشِئَةَ﴾ -كما مرَّ- مصدرٌ بوزن فاعِلَة، من نشأ؛ إذا قام، أو اسم فاعل، أي: النَّفسُ النَّاشئة باللَّيل، أي: الَّتي تنشأ من مضجعها إلى العبادة، أي: تنهض، وفي «الغريبين» لأبي عُبيد: كلُّ ما حدث باللَّيل وبدأ فهو ناشئٌ، وفي «المجاز» لأبي عبيدة: ﴿نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾: آناء اللَّيل، ناشئةً بعد ناشئةٍ.


(١) «طلب»: سقط من (ص).
(٢) زيد في (د): «ثوابه».
(٣) في (د): «وُجِد».

<<  <  ج: ص:  >  >>