للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عالمين بكونه تعالى عادلًا غير ظالمٍ أو لا، فإن علموا ذلك كان مجرَّد حكمه كافيًا، فلا فائدة في وضع الميزان، وإن لم يعلموا ذلك لم تحصل الفائدة في وزن الصَّحائف، وحينئذٍ فلا فائدة في وضعها أصلًا، أجيب بأنَّهم عالمون بعدله تعالى، وإنَّما فعل ذلك لإقامة الحجَّة عليهم، وبيانًا لكونه لا يظلم مثقال ذرَّةٍ، وإظهارًا لعظمة قدرته في أنَّ كلَّ كفَّةٍ طباق السَّموات والأرض ترجح بمثقال الحبَّة من الخردل وتخفُّ، وأيضًا فإنَّه ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء: ٢٣] وقد رُوِي عن سلمان (١) أنَّه قال: فإن أنكر ذلك منكرٌ جاهلٌ -بمعنى توجيه معنى خبر الله تعالى وخبر رسوله عن الميزان- وقال: أَوَ بالله حاجةٌ إلى وزن الأشياء وهو العالم بمقدار كلِّ شيءٍ قبل خلقه إيَّاه وبعده في كلِّ حالٍ؟ قيل له: وزان ذلك إثباته إيَّاه في أمِّ الكتاب واستنساخه في الكتب من غير حاجةٍ إلى ذلك؛ لأنَّه سبحانه لا يخاف النِّسيان وهو عالمٌ بكلِّ ذلك على كلِّ حالٍ ووقتٍ قبل كونه وبعد وجوده، وإنَّما يفعل ذلك تعالى ليكون حجَّةً على خلقه كما قال تعالى (٢): ﴿كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٨ - ٢٩] فكذلك وزنه تعالى لأعمال خلقه بالميزان حجَّةٌ عليهم ولهم إمَّا بالتَّقصير في طاعته والتَّضييع، وإمَّا بالتَّكميل والتَّتميم، وإظهارٌ لكرمه وعفوه ومغفرته وحلمه مع قدرته بعد إطلاع كلِّ أحدٍ منَّا على مساوئه، ومسامحته له وغفرانه وإدخاله إيَّاه الجنَّة بعد معصيته.

وحكى الزَّركشيُّ عن بعضهم: أنَّ رجحان الوزن في الآخرة بصعود الرَّاجح عكس الوزن في الدُّنيا، واستند في ذلك إلى قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ … الآية [فاطر: ١٠] وهو غريبٌ مصادمٌ لقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ الآية (٣) [القارعة: ٦] وقد جاء أنَّ كفَّة الحسنات من نورٍ والأخرى من ظلامٍ، وأنَّ الجنَّة توضع عن يمين العرش والنَّار عن يساره، ويُؤتَى بالميزان فيُنصَب (٤) بين يدي الله ﷿ كفَّة الحسنات عن يمين العرش مقابل (٥) الجنَّة،


(١) كذا قال ولم أره منسوبًا إليه في شيء من الكتب.
(٢) زيد في (ص): «في»، ويليه بياضٌ.
(٣) قوله: «وهو غريبٌ مصادمٌ لقوله … الآية» سقط من (د).
(٤) في (ص) و (ع): «فتنصب».
(٥) في (ب) و (س): «مقابلة»، وكذا في الموضع اللَّاحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>