للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على الاشتغال، وقرأ أبو (١) السَّمَّال بالرَّفع، ورجَّح النَّاس النَّصب، بل أوجبه ابن الحاجب حذرًا من لبس المفسَّر بالصِّفة؛ لأنَّ الرَّفع يوهم ما لا يجوز على قواعد أهل السُّنَّة، وذلك لأنَّه إذا رُفِع كان مبتدأً، و ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ صفةً لـ ﴿كُلَّ﴾ أو لـ ﴿شَيْءٍ﴾، و ﴿بِقَدَرٍ﴾ خبره، وحينئذٍ يكون له مفهومٌ لا يخفى على متأمِّله، فيلزم أن يكون الشَّيء الذي ليس مخلوقًا لله تعالى لا بقدرٍ، وقال أبو البقاء: وإنَّما كان النَّصب أولى لدلالته على عموم الخلق، والرَّفع لا يدلُّ على عمومه، بل يفيد أنَّ كلَّ شيءٍ مخلوقٌ فهو بقدرٍ (٢). انتهى. وإنَّما دلَّ النَّصب في ﴿كُلَّ﴾ على العموم؛ لأنَّ التَّقدير إنَّا خلقنا كلَّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ، فـ ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ تأكيدٌ وتفسيرٌ لـ ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ المضمر النَّاصب لـ ﴿كُلَّ﴾ وإذا حذفته وأظهرت الأوَّل صار التَّقدير إنَّا خلقنا كلَّ شيءٍ بقدرٍ، فـ ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ تأكيدٌ وتفسيرٌ لـ ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ المضمر النَّاصب لـ «كلَّ شيءٍ» فهذا لفظٌ عامٌّ يعمُّ جميع المخلوقات، ولا يجوز أن يكون ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ صفةٌ لـ ﴿شَيْءٍ﴾ لأنَّ الصِّفة والصِّلة لا يعملان فيما قبل الموصوف ولا الموصول، ولا يكونان تفسيرًا لِمَا يعمل فيما قبلهما، فإذا لم يبق ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ صفة لم يبقَ إلَّا أنَّه تأكيدٌ وتفسيرٌ للمضمر النَّاصب، وذلك يدلُّ على العموم، وقد نازع الرَّضيُّ ابنَ الحاجب في قوله (٣) السَّابق فقال: المعنى في الآية لا يتفاوت بجعل الفعل خبرًا أو صفةً وذلك لأنَّ مراد الله تعالى بـ ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾: كلُّ مخلوقٍ، نصبتَ ﴿كُلَّ﴾ أو رفعتَه، سواءٌ جعلت ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ صفة ﴿كُلَّ﴾ (٤) مع الرَّفع أو خبرًا عنه، وذلك أنَّ قوله: «خلقنا كلَّ شيءٍ بقدرٍ (٥)» لا يريد به خلقنا كلَّ ما يقع عليه اسم شيءٍ؛ لأنَّه تعالى لم يخلق الممكنات غير المتناهية، ويقع على كلِّ واحدٍ منها اسم «شيء» فـ ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ في هذه الآية ليس كما في قوله تعالى: ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٨٤] لأنَّ معناه أنَّه قادرٌ على ممكنٍ غير متناهٍ، فإذا تقرَّر هذا قلنا: إنَّ معنى ﴿كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ على أنَّ ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ هو الخبر: كل مخلوقٍ مخلوقٌ بقدرٍ، وعلى أنَّ ﴿خَلَقْنَاهُ﴾ صفةٌ: كلُّ شيءٍ مخلوقٍ كائنٌ بقدرٍ، والمعنيان واحدٌ؛ إذ لفظ ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ في الآية


(١) زيد في (ص): «بكر»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٢) في (ص): «مُقدَّرٌ».
(٣) قوله في مصابيح الجامع (١٠/ ٢٧١): «جعله ابن الحاجب مثالاً لما يجب فيه النصب في باب الاشتغال؛ حذرًا من لبس المفسَّر بالصفة فيوقع ذلك في خلاف المقصود».
(٤) في غير (ب) و (س): «كائن»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
(٥) «بقدرٍ»: ليس في (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>