للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المخلوق، وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين ابن تيميَّة: سلَّمنا أنَّها موصولةٌ، لكن (١) لا نسلِّم أنَّ للمعتزلة فيها حجَّةً؛ لأنَّ قوله تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ﴾ يدخل فيه ذاتهم وصفاتهم، وعلى هذا إذا كان خلقكم وخلق الذي تعملونه إن كان المراد خلقه لها (٢) قبل النحت؛ لزم أن يكون المعمول غير المخلوق وهو باطلٌ، فثبت أنَّ المراد خلقه لها قبل النَّحت وبعده، وأنَّ الله خلقها بما فيها من التَّصوير والنَّحت، فثبت أنَّه خالقُ ما تولَّد من فعلهم، ففي الآية دليلٌ على أنَّ الله (٣) تعالى خلق أفعالهم القائمة بهم وخلق ما تولَّد عنها، وقال الحافظ عماد الدِّين ابن كثيرٍ: كلٌّ من قولَي المصدر والموصول متلازمٌ (٤)، والأظهر ترجيح المصدريَّة؛ لِمَا رواه البخاريُّ في كتاب «خلق أفعال العباد» من حديث حذيفة مرفوعًا: «إنَّ الله يصنع (٥) كلَّ صانعٍ وصنعته» وأقوال الأئمَّة في هذه المسألة كثيرةٌ، والحاصل أنَّ العمل يكون مسندًا إلى العبد من حيث إنَّ له قدرةً عليه، وهو المسمَّى بالكسب، ومسندًا إلى الله تعالى من حيث إنَّ وجوده بتأثيره، فله جهتان: بإحداهما: ينفي الجبر، وبالأخرى ينفي القدر، وإسناده إلى الله حقيقة، وإلى العبد عادة، وهي صفةٌ يترتَّب عليها الأمر والنَّهي والفعل والتَّرك، فكلُّ ما أُسنِد من أفعال العباد إلى الله تعالى فهو بالنَّظر إلى تأثير القدرة، ويقال له الخلق، وما أسند إلى العبد إنَّما يحصل بتقدير الله تعالى، ويُقال له الكسب، وعليه يقع المدح والذَّمُّ كما يُذَمُّ المشوَّه الوجه، ويُحمَد الجميل الصَّورة، وأمَّا الثَّواب والعقاب فهو علامةٌ، والعبد إنَّما هو ملكٌ لله، يفعل فيه ما يشاء، والله أعلم.

وقوله تعالى: (﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]) مُقدَّرًا مُرتَّبًا على مقتضى الحكمة، أو مُقدَّرًا مكتوبًا في اللَّوح المحفوظ معلومًا قبل كونه، قد علمنا حاله وزمانه، و ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ منصوبٌ


(١) في (د): «لكنَّا».
(٢) في (د): «له».
(٣) في (د): «على أنَّه».
(٤) قال الشيخ قطة : لعلَّ الأصوب أن يقول: «وكلا قولي المصدر والموصول متلازمان» لما لا يخفى.
(٥) في (ع): «صانعٌ».

<<  <  ج: ص:  >  >>