للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتكلَّم بها ربُّ العزَّة في إطلاق الإذن، والتَّفزيع إزالة الفزع، و ﴿حَتَّى﴾ غايةٌ لما فُهِم من أنَّ ثَمَّ انتظارًا للإذن، وتوقُّفًا وفزعًا من الرَّاجين للشَّفاعة والشُّفعاء هل يُؤذَن لهم أو لا يُؤذَن لهم؟ كأنَّه قيل: يتربَّصون ويتوقَّفون مليًّا فزعين حتَّى إذا فُزِّع عن قلوبهم (﴿قَالُوا﴾) سأل بعضهم بعضًا (﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا﴾) قال: (﴿الْحَقَّ﴾) أي: القول الحقَّ، وهو الإذن بالشَّفاعة لمن ارتضى (﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣]) ذو العلوِّ والكبرياء، ليس لملكٍ ولا نبيٍّ أن يتكلَّم في (١) ذلك اليوم إلَّا بإذنه، وأن يشفع إلَّا لمن ارتضى، وقال في «الفتح»: وأظنُّ البخاريَّ أشار بهذا إلى ترجيح قول من قال: إنَّ الضَّمير في قوله: ﴿عَن قُلُوبِهِمْ﴾ للملائكة، وإنَّ فاعل الشَّفاعة في قوله: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ﴾ هم الملائكة، بدليل قوله بعد وصف الملائكة: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨] بخلاف قول من زعم أنَّ الضَّمير للكفَّار المذكورين في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ﴾ [سبأ: ٢٠] كما نقله بعض المفسِّرين، وزعم أنَّ المراد بالتَّفزيع حالة مفارقة الحياة، ويكون اتِّباعهم إيَّاه مستصحبًا إلى يوم القيامة على طريق المجاز، والجملة من قوله: ﴿قُلِ ادْعُوا (٢) … ﴾ إلى آخره [سبأ: ٢٢] معترضةٌ، وحمل هذا القائل على هذا الزَّعم أنَّ قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾ غايةٌ لابدَّ لها من مغيًّا، فادَّعى أنَّه ما ذكره، وقال بعض المفسِّرين من المعتزلة: المراد بالزَّعم الكفر في قوله: ﴿زَعَمْتُم﴾ أي: تماديتم في الكفر إلى غاية التَّفزيع، ثمَّ تركتم زعمكم وقلتم: قال: ﴿الْحَقَّ﴾ وفيه التفاتٌ من الخطاب إلى الغيبة، ويُفهَم من سياق الكلام أنَّ هناك فزعًا ممَّن يرجو الشَّفاعة هل يُؤذَن له في الشَّفاعة أو لا؟ فكأنَّه قال: يتربَّصون زمانًا فزعين حتَّى إذا كُشِف الفزع عن الجميع بكلامٍ يقوله الله في إطلاق الإذن تباشروا بذلك، وسأل بعضهم بعضًا: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ﴾ أي: القولَ الحقَّ، وهو الإذن في الشَّفاعة لمن ارتضى.

قال الحافظ ابن حجرٍ: وجميع ذلك مخالفٌ لهذا الحديث الصَّحيح، ولأحاديث كثيرةٍ تؤيِّده، والصَّحيح في إعرابها (٣) ما قاله ابن عطيَّة وهو أنَّ المغيَّا محدودٌ (٤) كأنَّه قيل: ولا هم


(١) «في»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٢) زيد في (ص): «الله»، وليس بصحيحٍ.
(٣) في (ص): «إعرابه».
(٤) في «الفتح»: «محذوف».

<<  <  ج: ص:  >  >>