للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لي جمعٌ ممَّن حضر: أنَّ النُّفوس سكرت من حلول الوجل، وفنيت (١) من ارتقاب نزول الأجل، وعجَّ المجاورون في الجؤار بالاستغفار، وعزموا على الإقلاع عن الإصرار، والتَّوبة عمَّا اجترحوا من الأوزار، وفزعوا إلى الصَّدقة بالأموال، فصُرِفَت عنهم النَّار ذات اليمين وذات الشِّمال، وظهر حسن بركة نبيِّنا في أمَّته، ويُمْن طلعته في رفقته بعد فرقته؛ فقد ظهر أنَّ النَّار المذكورة في حديث الباب هي النَّار التي ظهرت بنواحي المدينة؛ كما فهمه القرطبيُّ وغيره، ويبقى النَّظر؛ هل هي من داخلٍ كالتنفُّس أو من خارجٍ؛ كصاعقةٍ نزلت؟ والظَّاهر الأوَّل، ولعلَّ التَّنفُّس حصل من الأرض لمَّا تزلزلت، وتزايلت عن مركزها الأوَّل وتخلخلت (٢)، وقد تضمَّن الحديث في ذكر النَّار ثلاثة أمورٍ: خروجها من الحجاز، وسيلان وادٍ منه بالنَّار، وقد وُجِدَا (٣)، وأمَّا الثَّالث -وهو إضاءة أعناق الإبل ببصرى- فقد جاء من أخبر به، فإذا ثبت هذا؛ فقد صحَّتِ الأمارات، وتمَّت العلامات (٤)، وإن لم يثبت؛ فتحمل إضاءة أعناق الإبل ببصرى على وجه المبالغة، وذلك في لغة العرب سائغٌ، وفي باب التَّشبيه في البلاغة بالغٌ، وللعرب في التَّصرُّف في المجاز ما يقضي (٥) للغتها بالسَّبق في الإعجاز، وعلى هذا يكون القصد بذلك التَّعظيم لشأنها، والتَّفخيم لمكانها، والتَّحذير من فورانها وغليانها، وقد وُجِدَ ذلك على وفق ما أخبر، وقد جاء من أخبر أنَّه أبصرها من تيماء وبصرى على مثل ما هي من المدينة في البعد، فتعيَّن أنَّها المراد، وارتفع الشَّكُّ والعناد، وأمَّا النَّار التي تحشر النَّاس؛ فنارٌ أخرى.

وحديث الباب من أفراده.


(١) في (د): «وفتِّتَتْ».
(٢) في (ع): «تحلحلت».
(٣) في (د): «وُجِدَ».
(٤) «وتمت العلامات»: سقط من (ع).
(٥) في (ع): «يقتضي».

<<  <  ج: ص:  >  >>