للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالاستثناءِ وأنَّه لا يكفي القصد إليه بغير لفظٍ، وعن الحسنِ وطاوس أنَّ له أن يَستثني ما دامَ في المجلسِ، وعن الإمام أحمدَ نحوه، وقال: ما دام في ذلك الأمر، وعن إسحاق مثله، وقال: إلَّا أن يقعَ سكوت، وعن سعيدِ بن جبير: إلى أربعةِ أشهرٍ، وعن ابن عبَّاس: شهرٌ، وعنه سنة، وعنه أبدًا. قال أبو البركاتِ النَّسفيُّ (١) في «مختصر الكشاف» له: وهذا محمولٌ على تدارك التَّبرُّك بالاستثناء، فأمَّا الاستثناء المغيِّر حكمًا فلا يصحُّ إلَّا متَّصلًا، ويحكى أنَّه بلغ المنصورَ أنَّ أبا حنيفةَ خالفَ ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما في الاستثناء المنفصلِ فاستحضرَه (٢) لينكرَ عليه، فقال أبو حنيفة: هذا يرجعُ عليك أنَّك تأخذ البيعةَ بالأيمان، أفترضَى أن يخرجوا من عندِك فيستثنوا (٣) فيخرجُوا عليك؟ فاستحسنَ كلامَه، وأمر بإخراج الطَّاعن فيه. انتهى.

وقال ابنُ جرير: معنى قول ابن عبَّاس أنَّه يستثنِي ولو بعدَ سنةٍ؛ أي: إذا نسِي أن يقولَ في حلفهِ أو كلامهِ: إن شاء الله، وذكَرَ ولو بعد سنةٍ، فالسُّنَّة له أن يقول ذلك ليكون آتيًا بسنَّة الاستثناء حتَّى ولو كان بعد الحنثِ، وليس مراده أنَّ ذلك رافعٌ لحنثِ اليمينِ ومسقطٌ للكفَّارة، قال ابنُ كثير: وهذا الَّذي قاله ابنُ جرير هو الصَّحيح وهو الأليقُ بحمل كلام ابن عبَّاس عليه (٤)، والله أعلم.

وقال أبو عُبيد: وهذا لا يُؤخذ على ظاهرِه؛ لأنَّه يلزم منه أنَّه لا يحنث أحدٌ (٥) في يمينهِ، وأن لا تتصوَّر الكفَّارة الَّتي أوجبَها الله تعالى على الحالفِ، ولكن وجهُ الخبرِ سقوطُ الإثمِ عن الحالفِ لتركهِ الاستثناء؛ لأنَّه مأمورٌ به في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلَّا أَن يَشَاء اللهُ﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤] فقال ابن عبَّاس: إذا نسيَ أن يقول: إن شاء الله يستدركهُ، ولم يُرِدْ أنَّ الحالفَ إذا قال ذلك بعد أن انقضى كلامه أنَّ ما عقدَه باليمين ينحلُّ (٦). وحاصلُه حمل الاستثناءِ المنقول عنه على لفظ «إن شاء الله» فقط (٧)، وحمل «إن شاء الله» على التَّبرُّك، وممَّا


(١) في (د): «النفيسي»، وفي (ص) و (س): «النفسي». والصواب ما أثبته. وهذا نصُّ كلام النسفي في تفسيره «مدارك التنزيل».
(٢) في (د): «فأحضره».
(٣) في (د): «فيستثنون».
(٤) «عليه»: ليست في (د).
(٥) في (س) و (ص): «أحدًا».
(٦) في (د): «ينحطّ».
(٧) «فقط»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>