للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثانية، أي: هل تضُرُّون أحدًا أو يضُرُّكم بمنازعةٍ أو مجادلةٍ أو مضايقةٍ (فِي) رؤية (الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ) يحجبُها (قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ) بالراء المشددة أيضًا (فِي) رؤية (القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ) عند تمام نورهِ (لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ) يحجبُهُ (قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ) إذا تجلَّى لكم (يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ) بحيث لا يَحجب بعضُكم بعضًا ولا يضرُّه، ولا يجادلُه، ولا يُزاحمه، كما يفعلُ عند رؤية الأهلَّة، بل كالحال عند رؤية الشَّمس والقمر ليلة البدر، وقد رُوي: «ولا تُضامُّون» بالضاد المعجمة وتشديد الميم، من الضَّمِّ، وهو الازدحامُ أيضًا، أي: لا تزدحمون عند رؤيتهِ تعالى، كما تزدحمونَ عند رؤيةِ الأهلَّة، ورُوي بتخفيف الميم، من الضَّيم الَّذي هو الذُّلُّ، أي: لا يذلُّ بعضُكم بعضًا بالمزاحمةِ والمنافسة والمنازعةِ، وفي البخاريِّ: «لا تُضامُّون أو تُضاهون» بالهاء على الشَّكِّ، كما في «فضلِ صلاة الفجر» [خ¦٥٧٣] ومعنى الَّذي بالهاء: لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه، فيعارضُ بعضكم بعضًا، وفي «باب فضل السُّجود» -من البخاريِّ-: «هل تُمارون» [خ¦٨٠٦] بضم الفوقية وتخفيف الراء، أي: تجادلون في ذلك أو يدخلكم فيه شكٌّ من المرية وهي الشَّكُّ، ورُوي بفتح أوَّله والراء على حذفِ إحدى التَّاءين، وفي رواية البيهقيِّ: «تتمارون» بإثباتهما، والكاف في قوله: «كذلك» ليستْ لتشبيه المرئيّ، وإنَّما هي لتشبيهِ الرُّؤية بالرُّؤية في الوضوح، وهي فعلُ الرَّائي ومعناه: أنَّها رؤيةٌ يُزاح عنها الشَّكُّ. وقال الصُّعلوكيُّ فيما سَمِعه منه البيهقيُّ في «تُضامُّون» -المضموم الأول المشدد الميم- يريد: لا تجتمعونَ لرؤيتهِ في جهةٍ ولا يضمُّ بعضُكم إلى بعضٍ، فإنَّه تعالى لا يُرى في جهةٍ، ومعناه على فتح أوَّله: لا تتضامُّون في رؤيته بالاجتماع في جهةٍ (١)، وهو بغير تشديدٍ من الضَّيم معناه: لا تُظلمون فيه برؤية بعضِكم دون بعضٍ، وأنَّكم تَرَونه في جهاتكُم كلِّها وهو متعالٍ عن الجهة، فالتَّشبيه برُؤية القمر ليقين الرُّؤية دون تشبيهِ المرئيِّ (٢)، وخصَّ الشَّمس والقمر بالذِّكر مع أنَّ رؤيةَ السَّماء بغير سحابٍ أكبر آيةٍ وأعظمُ خلقًا من مجرَّد الشَّمس والقمر؛ لما خُصَّا به من عظيمِ النُّور والضِّياء بحيث صارَ التَّشبيه بهما فيمَن يوصفُ بالجمالِ والكمال سائغًا شائعًا في الاستعمالِ (يَجْمَعُ اللهُ) ﷿ (النَّاسَ) الأوَّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ بحيث لا يَخفى منهم أحدٌ حتَّى لو دَعاهم داعٍ لسمعوه، ولو نظر إليهم ناظرٌ


(١) قوله: «ومعناه على فتح … في جهة»: ليس في (د).
(٢) إلى هنا ينتهي كلام أبي الطيب الصعلوكي، وما بعده من كلام ابن المنير، كما في «الفتح».

<<  <  ج: ص:  >  >>