من أهل حضرموت، سنة تسعٍ من الهجرةِ (فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ) بن الجرَّاح سنة عشرٍ (بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ) وكان مئة ألفٍ وثمانين ألف درهمٍ، وقيل: ثمانين ألفًا (فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ) بفاءين بينهما واو فألف، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشميهنيِّ:«فوافت» بحذف الضَّمير، وهما من المُوافاة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي:«فوافقت» بالقاف بين الفاء والفوقيَّة (١)(صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَلَمَّا انْصَرَفَ)﵊(تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ) وثبت: «رسولُ الله ﷺ» لأبي ذرٍّ (حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ) من الدَّراهم؟ (قَالُوا: أَجَلْ) نعم (يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَأَبْشِرُوا) بقطع الهمزة وكسر المعجمة (وَأَمِّلُوا) بقطع الهمزة وكسر الميم المشددة (مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ) بنصب «الفقرَ» بتقدير: ما أخشى الفقر، وحُذِف لأن «أخشى عليكم» مفسِّر له، ويجوزُ الرَّفع بتقدير: ضمير، أي: ما الفقر أخشاهُ عليكم. قال في «الفتح»: والأوَّل هو الرَّاجح. وقال في «التنقيح»: والرَّفع ضعيفٌ؛ لأنَّه يحتاجُ إلى ضميرٍ يعودُ عليه، وإنَّما يجوزُ ذلك في الشِّعر. انتهى.
وتعقَّبه في «المصابيح» فقال: ضعفُ ذلك مذهبٌ كوفيٌّ. قال في «التَّسهيل»: ولا يختصُّ بالشِّعر خلافًا للكوفيِّين. وقال في «شرح المشكاة»: فائدةُ تقديم المفعول هنا الاهتمامُ بشأن الفقر؛ لأنَّ الوالد المُشفق إذا حضرهُ الموت كان اهتمامُه بحالِ ولدِه في المال، فأَعْلَم ﷺ أصحابه أنَّه وإن كان لهم في الشَّفقة عليهم كالأب، لكن حاله في أمر المال يخالفُ حال الوالدِ، وأنَّه لا يخشى عليهم الفقرَ كما يخشاهُ الوالد، ولكن يخشى عليهم من الغنى الَّذي هو مطلوبُ الوالد لولدهِ، كما قال:(وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا) بحذف إحدى التَّاءين
(١) في (د) و (ع) زيادة: «وزاد أبو ذرٍّ: رسول الله ﷺ»، وستأتي في مكانها، كما في بقيَّة الأصول.