للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) وسقطتِ «الواو» لغيرِ أبي ذرٍّ: (﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء﴾) خصَّ النَّبيَّ بالنِّداء وعمَّ بالخطابِ لأنَّه إمامُ أمَّته وقدوتهم، كما يقال لرئيسِ القوم: يا فلان افعلوا كذا، إظهارًا لتقدُّمه فكأنَّه هو وحده في حكم كلِّهم وسادًّا مسدَّ جميعهم، أو التقدير: يا أيُّها النَّبيُّ وأمَّته (١)، أو هو على إضمار: قل، والتَّقدير: يا أيُّها النَّبيُّ قل لأمَّتك، ومعنى: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء﴾ إذا أردتُم تطليقهنَّ على تنزيلِ المقبل على الأمر المشارف له منزلةَ الشَّارع فيه (﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾) أي: فطلِّقوهنَّ مستقبلاتٍ لعدَّتهنَّ، أي: عند ابتداءِ شروعهنَّ في العدَّة، واللَّام للتَّوقيت كقولك (٢): أتيتُه لليلةٍ بقيتْ من المحرَّم، أي: مستقبلًا لها، والمراد: أنْ يطلِّق المدخول بهنَّ من المعتدَّات بالحيض في طُهرٍ لم يجامعهُنَّ فيه، ثمَّ يُخَلَّين حتَّى تنقضي عدَّتهنَّ، وهذا أحسن الطَّلاق. وفي حديث ابن عُمر عند مسلمٍ: قرأ رسول الله : «فطلِّقوهنَّ في قُبُلِ عدتهنَّ» (﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ [الطلاق: ١]) واضبطوها بالحفظ، وأكملوها ثلاثةَ أقراءٍ مستقبلاتٍ كواملَ لا نقصانَ فيهنَّ. يقال: (﴿أحْصَيْنَاهُ﴾ [يس: ١٢]) أي: (حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْنَاهُ) وهذا التَّفسير لأبي عُبيدة، وأخرج الطَّبريُّ معناه عن السُّدِّيِّ، والمراد بالأمر (٣) أن يحفظَ ابتداء وقت العدَّة؛ لئلَّا يلتبس الأمر فتطول المدَّة فتتأذَّى بذلك المرأةُ، وخوطب الأزواجُ بذلك لغفلةِ النِّساء.

ثمَّ إنَّ الطَّلاق يكون بدعيًّا وسنِّيًّا وواجبًا ومستحبًّا ومكروهًا: فأمَّا السُّنيُّ فأشار إليه (٤) البخاريُّ بقوله: (وَطَلَاقُ السُّنَّةِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا) بعد الدُّخول بها حال كونها (طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ) في ذلك الطُّهر، ولا في حيضٍ قبله، وليست بحاملٍ، ولا صغيرةٍ، ولا آيسةٍ، وهي (٥) تعتدُّ بالأقراء، وذلك لاستعقابهِ الشُّروع في العدَّة (وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ) لقوله ﷿: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] وعن ابن عبَّاسٍ فيما أخرجه ابن مَرْدويه، قال: «كان نفرٌ من المهاجرين يطلِّقون لغير عدَّةٍ ويراجعون بغير شهودٍ فنزلت»، وأمَّا تسميتُه بالسُّنيِّ فقال الشَّيخ كمالُ الدِّين


(١) «أو التقدير يا أيها النبي وأمَّته»: ليست في (س). و «وأمته»: ليست في (ص).
(٢) في (د): «كقوله».
(٣) في (س): «الأمر».
(٤) «إليه»: ليست في (م)، ووقع في (ص) بعد لفظ «البخاري».
(٥) في (م): «قد».

<<  <  ج: ص:  >  >>