للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من أجل عصيانِها زوجها فيما يجب من حقِّه عليها بأن تكون ناشزةً، كأن يدعوها للوطءِ فتأبى، أو تخرج من المنزلِ بغير إذنهِ، فيعظُها بظهورِ أمارةِ النُّشوز، كالعُبوس بعد طلاقة الوجه، والكلام الخشن بعد لينهِ، فيقول لها نحو: اتَّقي الله في الحقِّ الواجب لي عليك، واحذَري العقوبةَ، ويضربها بتحقُّقه لقولهِ تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] قال في «الكشَّاف»: أمر بوعظهنَّ أولًا، ثمَّ بهجرانهنَّ في المضاجعِ، ثمَّ بالضَّرب إن لم ينجعْ فيهنَّ الوعظ والهجران. انتهى.

لكن (١) قال في «الانتصاف»: التَّرتيب الَّذي أشار إليه الزَّمخشريُّ غير مأخوذ من الآية لأنَّها واردةٌ بواو العطف، وإنَّما استفيد من أدلَّةٍ خارجة. قال الطِّيبيُّ: ما أظهر دَلالةَ الفاء في قوله: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ على التَّرتيب، وكذا قضيَّة التَّرتيب في الرِّفق والنَّظم، فإنَّ قوله: ﴿فَالصَّالِحَاتُ﴾ وقوله: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] تفصيل لما أجملَ في قوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ [النساء: ٣٤] كما سبقَ، أخبرَ الله تعالى بتفضيل الرِّجال على النِّساء وقِوامهم عليهنَّ، ثمَّ فصل النِّساء قسمين: إمَّا قانتاتٌ صالحاتٌ يحفظن أزواجهنَّ في الحضورِ والغيبةِ، فعلى الرِّجال الشَّفقة عليهنَّ، وإمَّا ناشزاتٌ غير مطيعاتٍ، فعلى الرِّجال التَّرفُّق بهنَّ أولًا بالوعظ والنَّصيحةِ، فإن لم ينجع الوعظُ فيهن فبالهجرانِ والتَّفرُّق في مضاجعهنَّ ثانيًا، ثمَّ التَّأديب بالضَّرب لأنَّ المقصود الإصلاح والدُّخول في الطَّاعة لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٣٤] فرتَّب الوعظ على الخوفِ من النُّشوز، فلا بدَّ من تقديمه على قرينيه. انتهى.

والأولى له العفو عن الضَّرب، وحديثُ أبي داود والنَّسائيِّ وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم عن إياس بنِ عبدِ الله بن أبي (٢) ذُبَاب -بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة- رفعه: «لا تضرِبُوا إماءَ اللهَ» محمولٌ على الضَّربِ بغير سببٍ يقتضيهِ، أو على العفوِ لا على النَّسخِ؛ إذ لا يصارُ إليه إلَّا إذا تعذَّرَ الجمع وعلمنا التَّاريخ، ولو كان الضَّرب غير مفيدٍ في ذلك في ظنِّه فلا يضربها كما صرَّح به الإمام، وينبغي أن يتولَّى تأديبَها بنفسه، ولا يرفعها إلى القاضِي ليؤدِّبها لما فيه من المشقَّةِ والعارِ والتَّنفيرِ للقلوبِ، لكن قال الزَّركشيُّ: ينبغي تخصيصُ ذلك بما إذا


(١) «لكن»: ليست في (م).
(٢) لفظة: «أبي» زيادة من مصادر التخريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>