للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: معنى «نُسِّي» عوقبَ بالنِّسيان لتفريطهِ في تعاهدهِ واستذكارهِ، وقيل: إنَّ فاعل «نسيتُ» النَّبيُّ ، كأنَّه قال: لا يقل أحدٌ عنِّي أنِّي نسيتُ آية كذا، فإنَّ الله هو الَّذي أنساني لذلك لحكمةِ نسخهِ ورفعِ تلاوتهِ، وليس لي في ذلك صنيع (١).

(وَاسْتَذْكِرُوا القُرْآنَ) السين للمبالغة؛ أي: اطلبوا من أنفسِكُم مذاكرته والمحافظة على قراءتهِ، والواو في قوله: واستذكروا -كما قال في «شرح المشكاة» - عطف من حيثُ المعنى على قوله: «بئسَ ما لأحدهِم» (٢)؛ أي: لا تقصِّروا في معاهدتهِ واستذكارهِ (فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا) بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة (٣) المشددة وتخفيف التحتية بعدها، منصوبٌ على التَّمييز؛ أي: تفلُّتًا (مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ) وهي الإبلُ، لا واحدَ لهُ من لفظه؛ لأنَّ شأن الإبل طلبُ التَّفلُّت ما أمكنهَا، فمتى لم يتعاهدهَا صاحبهَا بربطها تفلَّتت، فكذلك حافظُ القرآنِ إذا (٤) لم يتعاهدهُ تفلَّت، بل هو أشدُّ، وإنَّما كان ذلك؛ لأنَّ القرآن ليس من كلامِ البشرِ، بل هو من كلامِ خالق القِوى والقدر، وليس بينه وبين البشرِ مناسبةٌ قريبةٌ؛ لأنَّه حادثٌ وهو قديمٌ، لكنَّ الله بلطفهِ العَميم وكرمهِ القديم منَّ عليهم ومنحهُم هذه النِّعمة العظيمةَ، فينبغي أن يُتَعاهدَ بالحفظِ والمواظبةِ ما أمكن، فقد يسَّره تعالى للذِّكر، وإلَّا فالطَّاقة البشريَّة تعجزُ قواهَا عن حفظهِ وحملهِ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ [القمر: ١٧] ﴿الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن: ١ - ٢] ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ﴾ الاية [الحشر: ٢١].

وهذا الحديث أخرجه (٥) مسلم في «الصَّلاة»، والتِّرمذيُّ في «القراءات»، والنَّسائي في «الصَّلاة» و «فضائلِ القرآن».

وبه قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ) بنُ أبي شيبةَ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو: ابنُ عبدِ الحميدِ (عَنْ مَنْصُورٍ) هو: ابنُ المعتمر (مِثْلَهُ) أي: الحديث السَّابق، وهذه الطَّريق (٦) ثابتةٌ عند الكُشمِيهنيِّ


(١) في (ب) و (س): «صنع».
(٢) في (د) و (ل) و (م): «لأحدكم».
(٣) قوله: «المهملة»: ليس في (س) و (ص).
(٤) في (د): «إن».
(٥) في (د): «وقد أخرجه».
(٦) في (د) و (م): «الطريقة».

<<  <  ج: ص:  >  >>