للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقوله في آخر الحديث: «أين (١) باتت يده» لأنَّ حقيقة المَبيت تكون في اللَّيل، ووقع التَّصريح به في رواية أبي داودَ بلفظ: «إذا قام أحدكم من اللَّيل» وكذا عند التِّرمذيِّ، وأُجِيب بأنَّ التَّعليل يقتضي إلحاق نوم النَّهار بنوم اللَّيل، وإنَّما خصَّ نوم اللَّيل بالذِّكر للغلبة، قال الرَّافعيُّ في «شرح المُسنَد»: يمكن أن يُقال: الكراهة في الغمس لمن نام ليلًا أشدُّ منها لمن نام نهارًا لأنَّ الاحتمال في نوم اللَّيل أقرب لطوله عادةً، وليس الحكم مُختَصًّا بالنَّوم، بلِ المُعتَبَر الشَّكُّ في نجاسة اليد، واتَّفقوا على أنَّه لو غمس يده لم يضرَّ الماء خلافًا لإسحاقَ وداودَ وغيرهما، وحيث ثبتتِ الكراهة فلا تزول إلَّا بتثليث الغسل، كما نُصَّ عليه في «البويطيِّ»، وهي المطلوبة عند كلِّ وضوءٍ، قال الإمام: حتَّى لو كان يتوضَّأ من قُمْقُمَةٍ فيُستحَبُّ غسلهما احتياطًا لتوقُّع خبثٍ وإن بَعُدَ، لا للحدث، واحتُرِز بـ «الإناء» عن البرك والحياض، ويُستفَاد من الحديث: استحباب غسل النَّجاسات ثلاثًا لأنَّه إذا أُمِرَ به في المشكوك ففي المُحقَّق أَوْلى، والأخذ بالاحتياط في العبادات، وأنَّ الماء يَنْجُس بورود النَّجاسة عليه، وفي الإضافة إلى المُخاطَبين في قوله: «فإنَّ أحدكم» إشارةٌ إلى مُخالَفَة نومه لذلك (٢)، فإنَّ عينه تنام ولا ينام قلبه.

وهذا الحديث أخرجه السِّتَّة، وههنا تنبيهٌ: وهو أنَّه ينبغي للسَّامع لأقواله أن يتلقَّاها بالقبول ودفع الخواطر الرَّادَّة لها، فقد بلغنا أنَّ شخصًا سمع هذا الحديث فقال: وأين تبيت يده منه؟ فاستيقظ من النَّوم ويده داخلَ دُبره محشوَّةً، فتاب عن ذلك وأقلع، فنسأل الله تعالى أن يحفظ قلوبنا من الخواطر الرَّديئة، والله المُوفِّق.


(١) «أين»: سقط من (م).
(٢) في (ب) و (ص): «في ذلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>