للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«مِن»، وقول ابن التين: إنَّ «بَلْهَ» ضبط مع «مِن» بالفتح والكسر، هو حكايةُ ما وجدَه، فلا يمنعُ ما ذكرتُه مِنَ الفتحِ مع عدمِ الجارِّ، والكسرِ مع ثبوتِه، فأمَّا الفتحُ؛ فقال الجوهريُّ: وبَلْهَ كلمةٌ مبنيَّةٌ على الفتح مثل: كيف، ومعناها: دَعْ، وأنشد قولَ كعبِ بنِ مالكٍ يَصِفُ السيوف:

تَذَرُ الجَمَاجِمَ ضاحيًا هاماتُها … بَلْهَُِ الأكفِّ كأنَّها لم تُخلَقِ

قال في «المغني»: وقد رُوِيَ بالأوجه الثلاثة، قال شارحه: ومعنى بَلْهَ الأكف على رواية النصب: دَعِ الأكف، فأمرُها سهلٌ، وعلى رواية الجرِّ: كترك (١) الأكف منفصلة، وعلى الرفع: فكيف الأكف التي يوصل إليها بسهولة.

وأمَّا وجه الفتح مع ثبوت «مِن» فقال الرضي: إذا كانت «بله» بمعنى: كيف؛ جاز أن تدخله «من»، حكى أبو زيد أن فلانًا لا يُطيق حمل الفهر، فمِن بَلْهَ أن يأتي بالصخرة، أي: كيف؟ ومن أين؟ قال في «المصابيح»: وعليه تتخرَّج هذه الرواية، فتكون (٢) بمعنى «كيف» التي يُقصد بها الاستبعاد، و «ما» مصدريَّة، وهي مع صلتها في محلِّ رفعٍ على الابتداء، والخبرُ «من بله»، والضمير المجرور بـ «عليه» عائدٌ على الذُّخْر، أي: كيف ومِن أين اطِّلاعُكم على ما ادَّخرتُه لعبادي الصالحين؟ فإنَّه أمرٌ عظيم قلَّما تتسع عقول البشر لإدراكه والإحاطة به، قال: وهذا أحسن ما يقال في هذا المحل. انتهى. وأمَّا الجرُّ؛ فوُجِّه بأنَّ «بله» بمعنى غير، والكسرة التي على الهاء حينئذٍ إعرابيَّة، قال في «الفتح»: وهو -أي: كون «بله» بمعنى غير- أوضحُ التوجيهات؛ لخصوص سياق حديث الباب حيث وقع فيه: «ولا خطر على قلب بشر ذخرًا من بله ما أُطلعتم عليه» وذلك بيِّنٌ لِمَنْ تأمَّله. انتهى. وقال أبو السعادات في «نهايته»: بله: اسمٌ مِن أسماء الأفعال بمعنى: دع واترك، تقول: بله زيدًا، وقد توضع موضع المصدر وتضاف، فتقول: بله زيد، أي: ترك زيد، وقوله: «ما اطَّلعتم


(١) في (د): «اترك».
(٢) «فتكون»: ليس في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>