للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا ينتفع بلذَّات الدُّنيا، و ﴿أَوْ﴾: قيل: للتَّخيير، أي: للإمام أن يفعل بهم أيَّ خصلةٍ شاء، وهو مرويٌّ عن ابن عبَّاسٍ من طريق عليِّ (١) بن أبي طلحة، فيما رواه ابن جريرٍ، قال شارح «البزدويِّ» -فيما حكاه الطِّيبيُّ-: نَظَر هذا القائل أنَّ كلمة ﴿أَوْ﴾ للتَّخيير حقيقةً، فيجب العمل بها إلى أن يقوم دليل المجاز، ولأنَّ قطع الطَّريق في ذاته جنايةٌ واحدةٌ، وهذه الأجزية ذُكِرَت بمقابلتها، فيصلح كلُّ واحدٍ جزاءً له، فيثبت التَّخيير كما في كفَّارة اليمين. انتهى. والجمهور: أنَّها للتَّنويع، قال إمامنا الشَّافعيُّ: أخبرنا إبراهيم -هو ابن أبي يحيى- عن صالحٍ مولى التَّوءمة عن ابن عبَّاسٍ في قطَّاع الطريق إذا قَتَلوا وأَخَذوا المال: «قُتِلوا وصُلِّبوا، وإذا قَتَلوا ولم يَأخُذوا المال، قُتِلوا ولم يُصَلَّبوا، وإذا أَخَذوا المال ولم يُقْتُلوا؛ قُطِّعت أيديهم وأرجلُهم من خلافٍ، وإذا أخافوا السَّبيل ولم يأخذوا مالًا؛ نُفُوا من الأرض» ورواه ابن أبي شيبة عن عطيَّة عن ابن عبَّاسٍ بنحوه، وأجاب في «فتوح الغيب» عمَّا سبق من (٢) القول بالتَّخيير: بأنَّه غير ممكنٍ؛ لأنَّ الجزاء على حسب الجناية ويزداد بزيادتها وينقص بنقصانها، قال تعالى: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] فيبعد أن يُقَال: عند غلظ الجناية يعاقب بأخفِّ الأنواع، وعند خفَّتها بأغلظها، وذلك أنَّ المحاربة تتفاوت أنواعها في صفة الجناية؛ من تخويفٍ، أو أخذ مالٍ، أو قتلِ نفسٍ أو جمعٍ بين القتل وأخذ المال، والمذكور في الآية أجزيةٌ متفاوتةٌ في معنى التَّشديد والغلظة، فوقع الاستغناء بتلك المقدَّمة عن بيان تقسيم الأجزية على أنواع الجناية نصًّا، وهذا التَّقسيم يرجع إلى أصلٍ لهم؛ وهو أنَّ الجملة إذا قُوبلت بالجملة ينقسم البعض على البعض. انتهى. واختُلِف في كيفية الصَّلب؛ فقيل: يُصلَب حيًّا، ثمَّ يُطعَن في بطنه برُمْحٍ حتَّى يموت، وعن (٣) الشَّافعيِّ: يُقتَل أوَّلًا، ثمَّ يصلَّى عليه


(١) «عليَّ»: ليس في (م).
(٢) في (ص): «في».
(٣) في (د): «وعند».

<<  <  ج: ص:  >  >>