للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّلامِ وأرواحُ غيرِهم لا تشهدها، أو لأنَّ اللهَ وملائكتهُ شهدُوا لهُم بالجنَّة (﴿وَاللّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾) اعتراضٌ بين بعض التعليل وبعض، معناهُ: واللهُ لا يحبُّ مَن ليس من هؤلاءِ الثَّابتين على الإيمانِ المجاهدينَ في سبيلهِ، وهم المنافقونَ والكافرونَ (﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾) التَّمحيصُ: التَّخليصُ (١) من الشَّيءِ المعيبِ، وقيل: هو الابتلاءُ والاختبارُ. قال:

رأيتُ فُضَيلًا كانَ شيئًا مُلَفَّفًا … فكشَفَهُ التَّمْحِيصُ حتَّى بدَا لِيَا

(﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾) ويُهلِك الكافرين الَّذين حاربوهُ يوم أُحدٍ؛ لأنَّه تعالى لم يَمحق كلَّ الكفَّار بل بقيَ منهم كثيرٌ على كفرِهِم، والمعنى: إِن كانتِ الدَّولةُ على المؤمنين (٢) فللتَّمييز والاستشهادِ والتَّمحيص، وإن كانَت على الكافرين فلمَحقِهِم ومحوِ آثارِهِم (﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾) «أم»: منقطعة والهمزة فيها للإنكار، أي: لا تحسَبُوا (﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾) أي: ولمَّا تُجاهدوا؛ لأنَّ العلمَ متعلِّقٌ بالمعلومِ، فنزلَ نفيُ العلم منزلةَ نفي متعلَّقه؛ لأنَّه منتفٍ بانتفائِهِ، تقول: ما علمَ اللهُ في فلانٍ خيرًا، أي: ما فيه خيرٌ حتَّى يعلمَهُ، و ﴿لَمَّا﴾ بمعنى: لَمْ، إلَّا أنَّ فيه ضربًا منَ التَّوقُّعِ، فدلَّ على نفي الجهادِ فيما مضى، وعلى توقُّعه فيما يستقبلُ. كذا قررَّه الزَّمخشريُّ، وتعقَّبهُ أبو حيَّان فقال: هذا الَّذي قالهُ في ﴿لَمَّا﴾ -أنَّها تدلُّ على توقُّع الفعلِ المنفيِّ بها فيما يستقبلُ- لا أعلمُ أحدًا من النَّحويِّين ذكرهُ، بل ذكرُوا أنَّك إذا قلت: لمَّا يخرُج زيدٌ، دلَّ ذلك على انتفاءِ الخروجِ فيما مَضى، مُتَّصلًا نفيهُ إلى وقتِ الإخبارِ، أمَّا أنَّها تدلُّ على توقُّعِه في المستقبلِ فلا. انتهى.

قال في «الدُّرِّ»: النُّحاة إنَّما فرَّقُوا بينهما من جهةِ أنَّ المنفيَّ بـ «لم»: هو فعلٌ غير مقرونٍ بـ «قد»، و «لمَّا»: نفيٌ له مقرُونًا بها، و «قد» تدلُّ على التَّوقُّع، فيكون كلامُ الزَّمخشريِّ صحيحًا من هذهِ الجهة.

(﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾) نصب بإضمارِ أن، والواوُ: بمعنى الجمعِ، نحو: لا تأكلِ السَّمكَ وتشربَ اللَّبنَ، مع (٣) أنَّ دخولَ الجنَّةِ وتركَ المُصابرةِ على الجهادِ ممَّا لا يجتمِعان.


(١) في (د) و (م): «التخلص».
(٢) في (م): «للمؤمنين».
(٣) في (ص): «يعني».

<<  <  ج: ص:  >  >>