للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بفتح الميم والمُثلَّثة (مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا) أي: تكبَّر، ولم يلتفت إليه من غاية تكبُّره، وهو من دخل في الدِّين ولم يسمعِ العلم، أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلِّمه؛ فهو كالأرض السَّبخة (١) التي لا تقبل الماء، وتفسده على غيرها، وأشار بقوله: (وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) إلى من لم يدخل في الدِّين أصلًا، بل بلغه فكفر به؛ وهو كالأرض الصَّمَّاء الملساء المستوية التي يمرُّ عليها الماء فلا تنتفع به، قال في «المصابيح»: وتشبيه «الهدى» و «العلم» بـ «الغيث» المذكور تشبيهُ مفرَدٍ بمُركَّبٍ؛ إذ «الهدى» مُفرَدٌ وكذا «العلم»، والمشبَّه به وهو «غيثٌ كثيرٌ أصاب أرضًا»؛ منها ما قبلت فأنبتت، ومنها ما أمسكت خاصَّةً، ومنها ما لم تنبت ولم تمسك، مُركَّبٌ من عدَّة أمورٍ كما تراه، وشبَّه منِ انتفع بالعلم ونفع به بأرضٍ قبلتِ الماءَ وأنبتتِ الكلأ والعشب، وهو تمثيلٌ؛ لأنَّ وجه الشَّبه (٢) فيه هو الهيئة الحاصلة من قبول المَحلِّ لِمَا يَرِد عليه من الخير، مع ظهور أماراته (٣) وانتشارها على وجهٍ عامّ الثَّمرة، متعدِّي النَّفع، ولا يخفى أنَّ هذه الهيئة مُنتزَعةٌ من أمورٍ متعدِّدةٍ، ويجوز أن يُشبَّه انتفاعه بقبول الأرض للماء، ونفعه المتعدِّي بإنباتها الكلأ والعشب، والأوَّل أفحل وأجزل؛ لأنَّ لهيئة (٤) المُركَّبات من الوقع (٥) في النَّفس ما ليس في المفردات من (٦) ذواتها، من غير نظرٍ إلى تضامِّها (٧)، ولا التفاتٍ إلى هيئتها الاجتماعيَّة، قال الشَّيخ عبد القاهر في قول القائل:

وكأنَّ أجرامَ النُّجومِ لوامعًا … دُرَرٌ نُثِرْنَ (٨) على بساطٍ أزرقِ


(١) في (ص): «المسبخة».
(٢) في (م): «التَّشبيه».
(٣) في (م): «آثاره».
(٤) في (ب) و (س): «في الهيئات».
(٥) في (ص): «الموقع».
(٦) في (ب) و (س): «في».
(٧) في (ص): «نظامها».
(٨) في غير (ج): «نُشِرْن»، والمثبت موافق لما في المصابيح ونسخة الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>