زيادة العلم بالعيان، فإنَّ العيان يفيد من المعرفة والطَّمأنينة ما لا يفيده الاستدلال. وعن الشَّافعيِّ في معنى الحديث: الشَّكُّ يستحيل في حقِّ إبراهيم ﵇، ولو كان الشَّكُّ متطرِّقًا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنتُ الأحقَّ به من إبراهيم، وقد علمتم أنَّ إبراهيم لم يشكَّ، فإذا لم أشكَّ أنا ولم أَرْتَب في القدرة على الإحياء فإبراهيم أَولى بذلك، وقال الزَّركشيُّ: وذكر صاحب «الأمثال السَّائرة»: أنَّ «أفعل» تأتي في اللُّغة لنفي المعنى عن الشَّيئين، نحو: الشَّيطان خيرٌ من زيدٍ، أي: لا خير فيهما، وكقوله تعالى: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ [الدخان: ٣٧] أي: لا خير في الفريقين، وعلى هذا فمعنى قوله:«نحن أحقُّ بالشَّكِّ من إبراهيم» لا شكَّ عندنا جميعًا، قال: وهو أحسن ما يتخرَّج عليه هذا الحديث. انتهى. وكذا نقله في «الفتح»، لكن عن بعض علماء العربيَّة، قال في «المصابيح»: وهذا غير معروفٍ عند المحقِّقين.
(وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا) اسمٌ أعجميٌّ، وصُرِف مع العجمة والعلميَّة، لسكون وسطه (لَقَدْ كَانَ يَأْوِي) في الشَّدائد (إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) إلى الله تعالى. وقال مجاهدٌ: إلى العشيرة، ولعلَّه يريد: لو أراد لأوى إليها، ولكنَّه أوى إلى الله تعالى، وقال أبو هريرة: ما بعث الله نبيًّا إلَّا في مَنَعَةٍ من عشيرته (وَلَو لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ) بضع سنين -ما بين الثَّلاث إلى التِّسع- (لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ) لأسرعت الإجابة في الخروج من السِّجن، ولَمَا قدَّمتُ طلب البراءة. قال محيي السُّنَّة: وصف ﷺ يوسف بالأناة والصَّبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه (١) رسول الملك فِعْلَ المذنب حين يُعفَى عنه مع طول لبثه في السِّجن، بل قال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ [يوسف: ٥٠] أراد أن يقيم الحجَّة في حبسهم إيَّاه ظلمًا، فقال ﷺ على سبيل التَّواضع، لا أنَّه ﵊ كان في الأمر منه مبادرةٌ وعجلةٌ لو كان مكان يوسف، والتَّواضع لا يصغِّر كبيرًا ولا يضع رفيعًا، ولا يبطل لذي حقٍّ حقًّا، لكنَّه يوجب لصاحبه فضلًا، ويكسبه إجلالًا وقدرًا. انتهى. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «التَّفسير»[خ¦٤٥٣٧]، ومسلمٌ في «الإيمان» وفي «الفضائل»، وابن ماجه في «الفتن».