للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالرَّحمة وتأتي بالعذاب، فلا تسبُّوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا به (١) من شرِّها»، وقد نزَّل الأطبَّاء كلَّ ريحٍ على طبيعةٍ من الطَّبائع الأربع: فطبع الصَّبا: الحرارة واليبس، ويسمِّيها أهل مصر الرِّيح الشَّرقيَّة، لأنَّ مَهَبَّها (٢) من المشرق (٣)، وتُسمَّى قبولًا، لاستقبالها وجه الكعبة، وطبع الدَّبور: البرد والرُّطوبة، ويُسمِّيها أهل مصر الغربيَّة، لأنَّ مهبَّها من المغرب، وهي تأتي من دبر الكعبة، وطبع الشَّمال: البرد واليبس، وتُسمَّى البحريَّة؛ لأنَّها يُسار بها في البحر على كلِّ حالٍ وقلَّما تهبُّ ليلًا، وطبع الجنوب: الحرارة والرُّطوبة، وتُسمَّى القبليَّة والنَّعامى، لأنَّ مهبَّها من قِبل القطب، وهي عن يمين مستقبل المشرق، ويسمِّيها أهل مصر المريسيَّة، وهي من عيوب مصر المعدودة، فإنَّها إذا هبَّت عليهم سبع ليالٍ، استعدُّوا للأكفان، وقد جعل الله تعالى بلطيف قدرته الهواء عنصرًا لأبداننا وأرواحنا، فيصل إلى أبداننا بالتَّنفُّس (٤)، فينمي الرُّوح الحيوانيَّ ويزيد في النَّفسانيِّ، فما دام معتدلًا صافيًا لا يخالطه جوهرٌ غريبٌ فهو يحفظ الصِّحَّة ويقوِّيها، وينعش النَّفس ويُحْيِيها، ومن خاصِّيَّته (٥): أنَّ الله تعالى جعله واسطةً بين الحواسِّ ومحسوساتها، فلا ترى العين شيئًا ما (٦) لم يكن بينه وبينها هواءٌ، وكذلك لا تسمع الأذن ولا يصدق الذَّوق، ولو أنَّ الإنسان فقد الهواء ساعةً لَمَات. وقال كعب الأحبار: لو أنَّ الله تعالى حبس الهواء عن النَّاس، لأنتن ما بين السَّماء والأرض، ولقد أحسن بعض الشُّعراء حيث قال:

إذا خلا الجوُّ من هواءٍ … فعيشهم غمَّةٌ وبوس

فهو حياةٌ لكلِّ حيٍّ … كأنَّ أنفاسه نفوس

وقد سبقت زيادةٌ لهذا في «باب قول النَّبيِّ : نُصِرْتُ بِالصَّبَا» [خ¦١٠٣٥].


(١) في (ب): «بالله»، وليس في (م).
(٢) في (ص): «مهبطها» وكذا في الموضع اللَّاحق.
(٣) في غير (ص) و (م): «الشَّرق».
(٤) في (م): «بالنَّفَس».
(٥) في (د): «خاصَّته».
(٦) «ما»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>