للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) المدنيِّ، أحد العشرة (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ) يخاطب سعدًا، وَمَنْ يصحُّ منه الإنفاق: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً) قليلةً أو كثيرةً (تَبْتَغِي) أي: تطلب (بِهَا وَجْهَ اللهِ) تعالى، هو من المتشابه، وفيه مذهبان: التَّفويض والتَّأويل، قال العارف المحقِّق شمس الدِّين بن اللَّبان المصريُّ الشَّاذليُّ: وقد جاء ذكره في آياتٍ كثيرةٍ، فإذا أردت أن تعلم حقيقة مظهره من الصُّور (١) فاعلم أنَّ حقيقته من غمام الشَّريعة: بارقُ نورِ التَّوحيد، ومظهره من العمل: وجه الإخلاص ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ … الآية [الروم: ٤٣] ويدلُّ على أنَّ وجه الإخلاص مظهره قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢] وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ﴾ [الإنسان: ٩] وقوله ﷿: ﴿إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: ٢٠] والمُرَاد بذلك كلِّه: الثَّناء بالإخلاص على أهله، تعبيرًا بإرادة «الوجه» عن إخلاص النِّيَّة، وتنبيهًا على أنَّه مظهر وجهه ، ويدلُّ على أنَّ حقيقة الوجه هو بارق نور التَّوحيد قوله ﷿: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] أي: إلَّا نور توحيده. انتهى. و «الباء» في قوله في الحديث «بها» للمقابلة، أو بمعنى «على» ولذا وقع في بعض النُّسخ: «عليها» بدل «بها»، أو للسَّببيَّة، أي: لن تُنفق نفقةً تبتغي بسببها وجه الله تعالى (إِلَّا) نفقةً (أُجِرْتَ عَلَيْهَا) بضمِّ الهمزة وكسر الجيم، ولكريمة: «إلَّا أُجِرْتَ بها» وهي في «اليونينيَّة» لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابن عساكرَ، لكنَّه ضُرِبَ عليها بالحُمْرة (حَتَّى مَا تَجْعَلُ) أي: الذي تجعله (فِي فَمِ امْرَأَتِكَ) فأنت مأجورٌ فيه، وعلى هذا فالمرائي بعمل الواجب غير مُثَابٍ، وإن سقط عقابه بفعله، كذا قاله البرماويُّ كالكِرمانيِّ، وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ سقوط العقاب مُطلَقًا غير صحيحٍ، بل الصَّحيح التَّفصيل فيه؛ وهو أنَّ العقاب الذي يترتَّب على ترك الواجب يسقط لأنَّه أتى بعين الواجب، ولكنَّه كان مأمورًا أن يأتيَ بما عليه بالإخلاص وترك الرِّياء، فينبغي أن يُعاقَب على ترك الإخلاص لأنَّه مأمورٌ به، وتارك المأمور به يُعاقَب، وقال النَّوويُّ: ما أُرِيدَ به وجه الله يثبت فيه الأجر، وإن حصل لفاعله في ضمنه حظُّ شهوةٍ من لذَّةٍ أو غيرها؛


(١) في (م): «الصُّورة».

<<  <  ج: ص:  >  >>