للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ) واستُشكِل القطع بكونه من أهل النَّار بمجرَّد عصيانه بقتل نفسه، والمؤمن لا يكفر بالمعصية. وأُجيبَ: باحتمال أنَّه علم بالوحي أنَّه ليس مؤمنًا، أو أنَّه سيرتدُّ ويستحلُّ قتل نفسه، وفي حديث أكثم بن أبي الجون عند الطَّبرانيِّ فقلنا: يا رسول الله، فلانٌ (١) يجزي في القتال؟ قال: «هو في النَّار». قلنا: يا رسول الله، إذا كان فلانٌ في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النَّار، فأين نحن؟! قال: «ذاك إخبات النِّفاق» (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو) أي: يظهر (لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو) أي: يظهر (لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) قال النَّوويُّ: فيه التَّحذير من الاغترار بالأعمال، وأنَّه ينبغي للعبد ألَّا يتَّكل عليها، ولا يركن إليها؛ مخافةً من انقلاب الحال للقدر السَّابق، وكذا ينبغي للعاصي ألَّا يقنط، ولغيره ألَّا يقنِّطه من رحمة الله تعالى.

ومطابقة الحديث (٢) للتَّرجمة من حيث إنَّهم شهدوا برجحانه في أمر الجهاد، فلو كان قُتِلَ؛ لم يمتنع أن يشهدوا له بالشَّهادة، فلمَّا ظهر أنَّه لم يقاتل لله، وإنَّما قاتل غضبًا، عُلِمَ أنَّه لا يُطلَق على كلِّ مقتولٍ في الجهاد بأنَّه (٣) شهيدٌ لاحتمال أن يكون مثل هذا. نعم، أطلقها السَّلف والخلف بناءً على الظَّاهر، أمَّا من استشهد معه كشهداء أحدٍ وبدرٍ ونحوهم؛ فلا خفاء به ظاهرًا، والظَّاهر أنَّ مَن بعدهم كذلك، وقد أجمع الفقهاء على أنَّ شهيد المعركة لا يُغسَّل، وللفقيه إذا سُئِلَ عن مؤمنٍ قُتِل كذلك أن يقول: هو شهيدٌ، والَّذي منعه أن يطلقه الإنسان جزمًا على الغيب، وهذا ممنوعٌ حتَّى في زمانه إلَّا بوحيٍ خاصٍّ، قاله ابن المُنَيِّر.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «المغازي» [خ¦٤٢٠٣] ومسلمٌ في «الإيمان» و «القدر» (٤).


(١) «فلانٌ»: ليس في (ص).
(٢) في (م): «ومطابقته للحديث».
(٣) في (ب) و (س): «أنَّه».
(٤) في (ب): «النَّذر»، وليس بصحيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>