للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

موعوكًا (١)، وعند البيهقيِّ: «ليلةً أو ليلتين» ولمسلمٍ والنَّسائيِّ: «ثلاث ليالٍ» والاختلاف دالٌّ على التَّقريب لا التَّحديد، والمبتدأ الَّذي هو «ما حقُّ» محصورٌ في خبره المقدَّر بعد «إلَّا» من قوله: (إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ) أي: ما حقُّه إلَّا المبيت ووصيته (مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) مشهودٌ بها، فإنَّ الغالب إنَّما يكتب العدول، قال الله تعالى: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] ولأنَّ أكثر النَّاس لا يحسن الكتابة، فلا دلالة فيه على اعتماد الخط، ونقل في «المصابيح»: فيما إذا وُجِدَت وصيَّةٌ بخطِّ الميِّت من غير إشهادٍ في تَرِكَته، ويُعرَف أنَّها خطُّه بشهادة عدلين، عن الباجي أنَّها لا يثبت شيءٌ منها؛ لأنَّه قد يكتب ولا يعزم. رواه ابن القاسم في «المجموعة» و «العتبية»، ولم يحكِ ابن عرفة فيها خلافًا، والواو في «ووصيَّته» للحال، قال في «العُدَّة»: ويحتمل أن يكون خبر المبتدأ «يبيت» بتأويله


(١) قال السندي في «حاشيته»: قوله: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ … إِلَى قَوْلِهِ: يَبِيتُ … إلى آخره): الفعل أعني «يبيت» بمعنى المصدر خبرٌ عن الحقِّ إما بتقدير «أنْ» أو بدونها، ومثله قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ﴾ وعلى القول بتقدير: «أن» يجوز نصبه، كما هو شأن «أن» المقدرة في جواز العمل، والباعث على تأويله بالمصدر أنَّ جملة «يبيت» لا تصلح أن تكون خبرًا عن الحقِّ، ولا ضمير فيه يرجع إلى الحقِّ، ويدلُّ على التَّأويل رواية النَّسائي: «أن يبيت» فصرَّح بـ «أن» المصدريَّة، وقول العيني: إنَّ التَّأويل يغيِّر المعنى ولا حاجة إليه ناشئٌ عن قلَّة التَّدبُّر في المعنى والقواعد، والعجب أنَّه قال: إنَّ من له ذوقٌ بالعربيَّة يفهم ما ذكره مع أنَّ من له ذوقٌ يشهد ببطلان قوله.
وقوله: (إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ): استثناءٌ من أعمِّ الأحوال وهو حالٌ من نفس البيتوتة، أي: ليس حقُّه البيتوتة في حال إلا والحال أنَّ الوصيَّة مكتوبةٌ عنده، وليس بحال من فاعل «يبيت» لفساد المعنى إذ يصير المعنى كون المسلم يبيت ليلتين في كلِّ حالٍ إلَّا في حال أنَّ الوصيَّة مكتوبةٌ عنده ليس بحقٍّ له فتأمَّل بنظرٍ دقيقٍ.
وجوَّز بعضهم أنَّ قوله: «يبيت» صفة لامرئ، والخبر محذوف بعد «إلَّا» أي: إلَّا المبيت ووصيَّته مكتوبةٌ عنده، وهذا لا يخلو عن ركاكةٍ إذ يصير المعنى أنَّ المسلم البائت ليلتين ليس حقُّه كذا، وهو غير مناسبٍ، وإنَّما المناسب لا ينبغي لمسلم أن يبيت، والعجب من القسطلاني حيث قال: مفعول «يبيت» محذوف تقديره: آمنًا أو ذاكرًا أو موعوكًا، والحال أنَّ «يبيت» من الأفعال اللازمة لا المتعدِّية، ولو فرض آمنًا ونحوه في الكلام لكان حالًا لا مفعولًا، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>