للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باعتبار انتفاء الزِّيادة على ما يكفي، لا لأنَّ الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به كافٍ؛ لأنَّه عَلِمَ مَنْ عَرَفَ الشَّرع أنَّ المُرَاد من الإيمان الحقيقة المعهودة، وفي رواية الأَصيليِّ (١) والحَمُّويي والمُستملي: «من الإيمان»؛ بالتَّعريف، ثمَّ إنَّ المراد بقوله: «حبَّةٍ من خردلٍ» التَّمثيلُ، فيكون عِيَارًا في المعرفة لا في الوزن حقيقةً؛ لأنَّ الإيمان ليس بجسمٍ فيحصره الوزن والكيل، لكن ما يُشْكِلُ من المعقول قد يُرَدُّ إلى عيارٍ محسوسٍ لِيُفْهَم، ويُشبَّه به لِيُعْلَم، والتَّحقيق فيه: أن يُجعَل عمل العبد -وهو عرضٌ في جسمٍ- على مقدار العمل عنده تعالى، ثمَّ يُوزَن؛ كما صرَّح به في قوله: «وكان في قلبه من الخير ما يَزِنُ بُرَّةً»، أو تُمثَّل الأعمال بجواهرَ، فتُجعَل في كفَّة الحسنات جواهرُ بيضٌ مشرقةٌ، وفي كفَّة السَّيِّئات جواهرُ سودٌ مظلمةٌ، أو الموزون الخواتيم، وقد استنبط الغزاليُّ من قوله: «أخرجوا مِنَ النَّار مَنْ كان في قلبه … » إلى آخره نجاةَ من أيقن بالإيمان، وحال بينه وبين النُّطق به الموت، قال: وأمَّا من قدر على النُّطق ولم يفعل حتَّى مات مع إيقانه بالإيمان بقلبه؛ فيحتمل أن يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصَّلاة فلا يُخلَّد في النَّار، ويحتمل خلافه، ورجَّح غيره الثَّاني، فيُحتَاج إلى تأويلِ قوله: «في قلبه»، فيُقدَّر فيه محذوفٌ، تقديره: مُنضمًّا إلى النُّطق به مع القدرة عليه، ومنشأ الاحتمالين الخلاف في أنَّ النُّطق (٢) بالإيمان شطرٌ، فلا يتمُّ الإيمان إلَّا به، وهو مذهب جماعةٍ من العلماء، واختاره الإمام شمس الأمَّة (٣) وفخر الإسلام، أو شرطٌ لإجراء الأحكام الدُّنيويَّة فقط، وهو مذهب


(١) «الأصيليِّ»: سقط من (م).
(٢) في (م): «التلفظ».
(٣) في (ب) و (س): «الدين».

<<  <  ج: ص:  >  >>