قوله ﷿: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً … ﴾ [المدثر: ٣١] الآية (وَقَوْلُهُ) تعالى في براءة: (﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ﴾) أي: السُّورة (﴿إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [التوبة: ١٢٤]) بزيادة العلم الحاصل من تدبُّرها، وبانضمام الإيمان بها، وبما فيها إلى إيمانهم (وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ) في آل عمران: (﴿فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾ [آل عمران: ١٧٣]) لعدم التفاتهم إلى من ثبَّطهم عن قتال المشركين، بل ثبت يقينهم بالله وازداد إيمانهم، قال البيضاويُّ: وهو دليلٌ على أنَّ الإيمان يزيد وينقص (وَقَوْلُهُ تَعَالَى) في الأحزاب: (﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾) أي: لمَّا رأوا الخَطْب أو البلاء في قصَّة الأحزاب، وسقطت واو ﴿وَمَا﴾ للأَصيليِّ فقال:«﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾»(﴿إِلَّا إِيمَانًا﴾) بالله تعالى ومواعيده (﴿وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٢]) لأوامره ومقاديره، فإن قلت: الإيمان: هو التَّصديق بالله ورسوله، والتَّصديق شيءٌ واحدٌ لا يتجزَّأ، فلا يُتصوَّر كمالُه تارةً ونقصُه أخرى، أُجِيب: بأنَّ قبوله الزِّيادة والنَّقص ظاهرٌ، على تقدير دخول القول والفعل فيه، وفي الشَّاهد شاهدٌ بذلك؛ فإنَّ كلَّ أحدٍ يعلم أنَّ ما في قلبه يتفاضل، حتَّى إنَّه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكُّلًا منه في بعضها (١)، وكذلك في التَّصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، ومن ثمَّ كان إيمان الصِّدِّيقين أقوى من إيمان غيرهم، وهذا مبنيٌّ على ما ذهب إليه المحقِّقون من الأشاعرة: من أنَّ نفس التَّصديق لا يزيد ولا ينقص، وأنَّ الإيمان الشَّرعيَّ يزيد وينقص بزيادة ثمراته -التي هي الأعمال- ونقصانها، وبهذا يحصل التَّوفيق بين ظواهر النُّصوص الدَّالَّة على الزِّيادة وأقاويل السَّلف بذلك، وبين أصل وضعه اللُّغويِّ وما عليه أكثر المتكلِّمين. نعم؛ يزيد وينقص قوَّةً وضعفًا، وإجمالًا وتفصيلًا، أو تعدُّدًا بحسب تعدُّد المؤمن به، وارتضاه النَّوويُّ، وعَزَاه التَّفتازانيُّ في «شرح عقائد النَّسفيِّ» لبعض المحقِّقين، وقال في «المواقف»: إنَّه الحقُّ، وأنكر ذلك أكثر المتكلِّمين والحنفيَّة؛ لأنَّه متى قُبِلَ ذلك كان شكًّا