للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قد تعشَّى واشتغل ببعض أمره، قال التِّرمذيُّ: كأنَّ ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، فالمراد بالكلِّ الأكثرُ، وهو مجازٌ قليل الاستعمال، واستبعده أيضًا فقال: كلُّ تأكيدٍ (١) لإرادة الشُّمول ودفع (٢) التَّجوُّز من احتمال البعض فتفسيره بالبعض منافٍ له. انتهى. وقد تعقَّبه أيضًا (٣) الحافظ زين الدِّين العراقيُّ: بأنَّ في حديث أمِّ سلمة عند التِّرمذيِّ قالت: «ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلَّا شعبان ورمضان» فعطف «رمضان» عليه يبعد أن يكون المراد بشعبان أكثره؛ إذ لا جائز أن يكون المراد برمضان بعضه، والعطف يقتضي المشاركة فيما عُطِف عليه، وإن مشى ذلك فإنَّما يمشي على رأي من يقول: إنَّ اللَّفظ الواحد يُحمَل على حقيقته ومجازه، وفيه خلافٌ لأهل الأصول (٤). قال في «عمدة القاري»: ولا يمشي هنا ما قاله على رأي البعض أيضًا لأنَّ من قال ذلك قاله في اللَّفظ الواحد، وهنا لفظان: شعبان ورمضان. انتهى. فليُنظَر هذا مع قول ابن المبارك: إنَّه جائزٌ في كلام العرب، قال في «المصابيح»: وأمَّا الثَّاني فلأنَّ قولها: «كان يصوم شعبان كلَّه» يقتضي تكرار الفعل، وأنَّ ذلك عادةٌ له على ما هو المعروف في مثل هذه العبارة. انتهى. واختُلِف في دلالة «كان» على التَّكرار، وصحَّح ابن الحاجب: أنَّها تقتضيه، قال: وهذا استفدناه من قولهم: كان حاتمٌ يقري الضَّيف، وصحَّح الإمام فخر الدِّين في «المحصول»: أنَّها لا تقتضيه لا لغةً ولا عرفًا، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ»: إنَّه المختار الذي عليه الأكثرون والمحقِّقون من الأصوليِّين، وذكر ابن دقيق العيد: أنَّها تقتضيه عرفًا. انتهى. قال في «المصابيح»: وأمَّا الثَّالث فلأنَّ أسماء الشُّهور إذا ذُكِرت غير مضافٍ إليها لفظ «شهرٍ» كان العمل عامًّا لجميعها، لا تقول: سرت المُحرَّم وقد سرت بعضًا منه، ولا تقول: صمت رمضان وإنَّما صمت بعضه، فإن أضفت الشَّهر إليه لم يلزم (٥) التَّعميم، هذا مذهب سيبويه وتبعه عليه غير واحدٍ، قال الصَّفَّار: ولم يخالف في ذلك إلَّا الزَّجَّاج، ويمكن أن يُقال: إنَّ قولها: «وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان» لا ينفي صيامه لجميعه، فإنَّ


(١) في (ب) و (س): «توكيدٍ».
(٢) في (ب) و (س): «ورفع».
(٣) «أيضًا»: ليس في (د).
(٤) في (م): «الفصول»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٥) في (د): «يلزمه».

<<  <  ج: ص:  >  >>