للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والذي في «اليونينيَّة»: «يَحْبِسه» بفتح التَّحتيَّة وسكون المهملة وكسر المُوحَّدة بعدها سينٌ مهملةٌ، فلا يختصُّ بمنع العدوِّ فقط، بل هو (١) عامٌ في كلِّ حابسٍ من عدوٍّ ومرضٍ وغيرهما، وبه قال الحنفيَّة ككثيرٍ من الصَّحابة وغيرهم، حتَّى أفتى ابن مسعودٍ رجلًا لُدِغ بأنَّه محصرٌ، أخرجه ابن حزمٍ بإسنادٍ صحيحٍ والطَّحاويُّ، ولفظه: عن علقمة قال: لُدِغ صاحبٌ لنا وهو محرمٌ بعمرةٍ، فذكرناه لابن مسعودٍ، فقال: يبعث بهديٍ ويواعد أصحابه موعدًا، فإذا نَحَرَ عنه حلَّ، قالوا: وإذا قامت الدَّلالة على أنَّ شرعيَّته للحابس مطلقًا استُفيد جوازه لمن سُرِقت نفقته ولا يقدر على المشي، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمد: لا إحصار إلَّا بالعدوِّ لأنَّ الآية وردت لبيان حكم انحصاره وأصحابه وكان بالعدوِّ، وقال في سياق الآية: ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] فعُلِم أنَّ شرعيَّة الإحلال في العدوِّ كان (٢) لتحصيل الأمن منه، وبالإحلال لا ينجو من المرض، فلا يكون الإحصار بالمرض في معناه، فلا يكون النَّصُّ الوارد في العدوِّ واردًا في المرض، فلا يلحق به دلالةً ولا قياسًا لأنَّ شرعيَّة التَّحلُّل قبل أداء الأفعال بعد الشُّروع في الإحرام على خلاف القياس، فلا يُقاس عليه، وفي «المُوطَّأ»: عن سالمٍ عن أبيه قال: من حُبِس دون البيت بمرضٍ فإنَّه لا يحلُّ حتَّى يطوف بالبيت، واحتجَّ الحنفيَّة بأنَّ الإحصار هو المنع، والاعتبار بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّبب، وبأنَّ إجماع أهل اللُّغة على أنَّ مدلول لفظ: «الإحصار بالعمرة» المنع الكائن بالمرض، والآية وردت بذلك اللَّفظ، وبحث فيه المحقِّق الكمال بن الهمام: بأنَّه ظاهرٌ في أنَّ (٣) الإحصار خاصٌّ بالمرض، والحصر خاصٌّ بالعدوِّ، ويحتمل أن يُراد كون المنع بالمرض مِنْ مَاصدقات الإحصار، فإن أراد الأوَّل ورد عليه كون الآية لبيان حكم الحادثة التي وقعت للرَّسول وأصحابه ، واحتاج إلى جواب صاحب «الأسرار»، وحاصله: أنَّ كون النَّصِّ الوارد لبيان حكم حادثةٍ قد ينتظمها لفظًا، وقد ينتظم


(١) «هو»: ليس في (د).
(٢) في (ب) و (س): «كانت».
(٣) في (ص): «بأنَّ».

<<  <  ج: ص:  >  >>