للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثَّوب والبدن لعموم قوله: «اغسل الطِّيب الذي بك» وهو قول مالكٍ ومحمَّد بن الحسن، وأجاب الجمهور بأنَّ قصَّة يعلى كانت بالجعرانة سنة ثمانٍ بلا خلافٍ -كما مرَّ- وقد ثبت عن عائشة [خ¦٥٩٣٠]: أنَّها طيَّبته بيدها في حجَّة الوداع سنة عشرٍ بلا خلافٍ، وإنَّما يؤخذ بالآخِر فالآخر من الأمر، والظَّاهر أنَّ العامل في «ثلاثَ مرَّاتٍ» أقرب الفعلين إليه وهو «اغسل»، وعليه فيكون قوله: «ثلاثَ مرَّاتٍ» من جملة مقول النَّبيِّ ، وهو نصٌّ في تكرار (١) الغسل، ويحتمل أن يكون العامل فيه «قال» أي: قال له النَّبيُّ : ثلاث مرَّاتٍ اغسل الثَّوب (٢)، فلا يكون فيه تنصيصٌ على أمره بثلاث غسلاتٍ؛ إذ ليس في قوله: «اغسل الطِّيب» تصريحٌ بالغسلات الثَّلاث لاحتمال كون المأمور به غسلةً واحدةً، لكنَّه أكَّد في شأنها، وعلى الأوَّل فهمه ابن المُنيِّر، فإنَّه قال: في الحديث ما يدلُّ على أنَّ المعتبرَ في هذا الباب ذهابُ الجرم الظَّاهر لا الأثر بالكلِّيَّة لأنَّ الصِّباغ لا يزول لونه ولا رائحته بالكلِّيَّة بثلاث مرَّاتٍ، فعلى هذا من غسل الدَّم من ثوبه لم يضرَّه بقاء طبعه. انتهى. لكن لو كان في الحديث ما يدلُّ على أنَّ الخلوق كان في الثَّوب أمكن ما قاله، ولكنَّ ظاهره أنَّ الخلوق كان في بدنه لا في ثيابه لقوله: «وهو متضمِّخٌ بطيبٍ»، وإذا كان الخلوق في البدن أمكن أن تزول رائحته ولونه بالكلِّيَّة بغسله ثلاث مرَّاتٍ؛ لأنَّ علوق الطِّيب بالبدن أخفُّ من علوقه بالثَّوب، قاله في «المصابيح».

(وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: «ما تصنع في حجِّك» بإسقاط كاف «كما» وتاء «حجَّتك»، وفيه: دلالةٌ على أنَّه كان يعرف أعمال (٣) الحجِّ قبل ذلك، وعند مسلمٍ والنَّسائيِّ من طريق سفيان عن عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ في هذا الحديث، فقال: «ما كنتَ صانعًا في حجِّك؟ قال: أنزع عنِّي هذه الثِّياب، وأغسل عنِّي هذا الخلوق، فقال: ما كنت صانعًا في حجِّك فاصنعه في عمرتك» أي: فلمَّا ظنَّ أنَّ العمرة ليست كالحجِّ قال له: إنَّها كالحجِّ في ذلك، وقد تبيَّن (٤) أنَّ المأمور به في قوله: «اصنع» الغسلُ والنَّزعُ.

قال ابن جريجٍ: (قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَادَ) (الإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ) (أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ


(١) في (ب) و (س): «تكرُّر».
(٢) في (ب) و (س): «الطِّيب».
(٣) في (د): «أفعال».
(٤) في (د) و (م): «فتبيَّن».

<<  <  ج: ص:  >  >>