للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي: لا ترغب فيه (١) ألبتَّة، ولا تنظر إلى رخصه، ولكن انظر إلى أنَّه صدقتك، وقد أورد ابن المُنيِّر هنا سؤالًا، وهو أن الإغياء في النَّهي عادته أن يكون بالأخفِّ أو الأدنى، كقوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] ولا خفاء بأنَّ (٢) إعطاءه إيَّاه بدرهمٍ أقرب إلى الرُّجوع في الصَّدقة ممَّا إذا باعه بقيمته، وكلام الرَّسول هو الحجَّة في الفصاحة، وأجاب بأنَّ المراد: لا تغلِّب (٣) الدُّنيا على الآخرة وإن وفَّرها معطيها، فإذا زهد فيها وهي مُوفَّرةٌ، فلأن (٤) يزهد فيها وهي مُقتَّرةٌ أَحْرى وأَوْلى، فهذا على وفق القاعدة (٥). انتهى. (فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ) الفاء للتَّعليل، أي: كما يقبح أن يقيء ثمَّ يأكل كذلك يقبح أن يتصدَّق بشيءٍ، ثمَّ يجرَّه إلى نفسه بوجهٍ من الوجوه، وفي روايةٍ للشَّيخين (٦): «كالكلب يعود في قيئه» [خ¦٢٦٢٣] فشُبِّه بأخسِّ الحيوان في أخسِّ أحواله تصويرًا للتَّهجين وتنفيرًا منه، قال في «المصابيح»: وفي ذلك دليلٌ على المنع من الرُّجوع في الصَّدقة؛ لما اشتمل عليه من التَّنفير الشَّديد؛ من حيث شبَّه الرَّاجع بالكلب، والمرجوع فيه بالقيء، والرُّجوع في الصَّدقة برجوع الكلب في قيئه. انتهى. وجزم بعضهم بالحرمة، قال قتادة: لا نعلم القيء إلَّا حرامًا (٧)، والصَّحيح أنَّه للتَّنزيه؛ لأنَّ فعل الكلب لا يُوصَف بتحريمٍ؛ إذ لا تكليف عليه، فالمراد: التَّنفيرُ من العَوْد بتشبيهه (٨) بهذا المستقذر (٩).


(١) في (م): «إليه».
(٢) في (د) و (م): «أنَّ».
(٣) في (م): «يغلِّب».
(٤) في (د): «فلا»، وهو تحريفٌ.
(٥) في (م): «العادة»، وكذا في مصابيح الجامع.
(٦) في (د): «الشَّيخين».
(٧) في (د): «محرَّمًا».
(٨) في (د): «بتشبُّهه».
(٩) في (د): «المُتقذَّر».

<<  <  ج: ص:  >  >>