للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويد المُعطَى أسفل الأيدي»، وعند النَّسائيِّ من حديث طارقٍ المحاربيِّ: قدمنا المدينة، فإذا النَّبيُّ قائمٌ على المنبر يخطب النَّاس، وهو يقول: «يد المعطي العليا»، وهذا نصٌّ يرفع الخلاف، ويدفع تعسُّف من تعسَّف في تأويله ذلك، كقول بعضهم فيما حكاه القاضي عياضٌ: اليد (١) العليا: الآخذة، والسُّفلى: المانعة، أو العليا: الآخذة، والسُّفلى: المنفقة، وقد كان إذا أعطى الفقير العطيَّة يجعلها في يد نفسه، ويأمر الفقير أن يتناولها لتكون يد الفقير هي العليا؛ أدبًا مع قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤] قال: فلمَّا أُضيف الأخذ إلى الله تعالى تواضع لله تعالى فوضع يده أسفل من يد الفقير الآخذ، وقال ابن العربيِّ: والتَّحقيق أنَّ السُّفلى يد السَّائل، وأمَّا يد الآخذ فلا؛ لأنَّ يد الله هي المعطية، ويد الله هي الآخذة، وكلتاهما عليا وكلتاهما يمينٌ. انتهى. وعُورِض بأنَّ البحث إنَّما هو في يد الآدميِّين، وأمَّا يد الله ﷿ فباعتبار كونه مالكَ كلِّ شيءٍ نُسِبت يده إلى الإعطاء، وباعتبار قبوله (٢) الصَّدقة ورضاه بها، نُسِبت يده إلى الأخذ. وقد (٣) روى إسحاق في «مُسنَده»: أنَّ حكيم ابن حزامٍ قال: (٤) يا رسول الله، ما اليد العليا؟ قال: «التي تعطي ولا تأخذ»، وهو صريحٌ في أنَّ الآخذة ليست بعليا، ومُحصَّل ما قِيل في ذلك: أنَّ أعلى الأيدي المنفقة والمتعفِّفة عن الأخذ، ثمَّ الآخذة بغير سؤالٍ، وأسفل الأيدي السَّائلة والمانعة، وكلُّ هذه التَّأويلات المتعسِّفة تضمحلُّ عند الأحاديث السَّابقة المصرِّحة بالمراد، فأَوْلى ما فُسِّر الحديث بالحديث، وقد ذكر أبو العبَّاس الدَّاني في «أطراف المُوطَّأ»: أنَّ هذا التَّفسير المذكور في حديث ابن عمر هذا مُدرَجٌ فيه، ولم يذكر لذلك مستندًا، نعم في «كتاب الصَّحابة» للعسكريِّ بإسنادٍ له فيه انقطاعٌ عن ابن عمر: أنَّه كتب إلى بشر بن مروان: إنِّي سمعت النَّبيَّ (٥) يقول: «اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى»، ولا أحسبُ السُّفلى إلَّا السَّائلة، ولا العليا إلَّا المعطية، فهذا يشعر بأنَّ التَّفسير من


(١) «اليد»: ليس في (ص) و (م).
(٢) في (ص): «قبول».
(٣) «قد»: ليس في (د) و (م).
(٤) زيد في (ص): «قال»، وهو تكرارٌ.
(٥) في غير (ص) و (م): «رسول الله».

<<  <  ج: ص:  >  >>