للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّبِيَّ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ) الذين استُشهِدوا في وقعته في شوَّال سنة ثلاثٍ (صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ) بنصب «صلاته» أي: مثل صلاته على الميِّت، زاد في «غزوة أحد» [خ¦٤٠٤٢] من طريق حَيْوة بن شريحٍ عن يزيد: «بعد ثمان سنين، كالمودِّع للأحياء والأموات»، لكن في قوله: بعد ثمان سنين تجوز؛ لأنَّ وقعة أحدٍ (١) كانت في شوَّال سنة ثلاثٍ كما مرَّ، ووفاته في ربيعٍ الأوَّل سنة إحدى عشْرَة، وحينئذٍ فيكون بعد سبع سنين ودون النِّصف؛ فهو من باب جَبْر الكسر، والمراد أنَّه دعا لهم بدعاء صلاة الميِّت، وليس المراد صلاة الميِّت المعهودة، كقوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] والإجماع يدلُّ له؛ لأنَّه لا يُصلَّى عليه عندنا، وعند أبي حنيفة المخالف: لا يُصلَّى على القبر بعد ثلاثة أيَّامٍ، فإن قلت: حديث جابرٍ لا يُحتجُّ به؛ لأنَّه نفيٌ، وشهادة النَّفي مردودةٌ مع ما عارضها في خبر (٢) الإثبات؟ أُجِيبَ بأنَّ شهادة النَّفي إنَّما تُردُّ إذا لم يحط بها علم الشَّاهد، ولم تكن محصورةً، وإلَّا فتُقبل بالاتِّفاق، وهذه قضيَّةٌ معيَّنةٌ، أحاط بها جابرٌ وغيره علمًا، وأمَّا حديث الإثبات فتقدَّم الجواب عنه، وأجاب الحنفيَّة بأنَّه تجوز الصَّلاة على القبر ما لم يتفسَّخ الميِّت، والشُّهداء لا يتفسَّخون، ولا يحصل لهم تغيُّرٌ، فالصَّلاة عليهم لا تمتنع (٣) أيِّ وقتٍ كان، وأوَّل أبو حنيفة الحديثَ في ترك الصَّلاة عليهم يوم أُحُدٍ على معنى اشتغاله عنهم وقلَّة فراغه لذلك، وكان يومًا صعبًا على المسلمين، فعُذِروا بترك الصَّلاة عليهم يومئذ، وقال ابن حزمٍ الظَّاهريُّ: إن صُلِّي على الشَّهيد فحسَنٌ، وإن لم يُصَلَّ عليه فحسَنٌ، واستدلَّ بحديثي جابرٍ وعقبة وقال: ليس يجوز أن يترك أحد الأثرين (٤) المذكورين للآخر، بل كلاهما (٥) حقٌّ مباحٌ، وليس هذا مكان نسخٍ؛ لأنَّ استعمالهما معًا ممكنٌ في أحوال مختلفةٍ (ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ) ولمسلمٍ كالمؤلِّف في «المغازي» [خ¦٤٠٤٢]: ثمَّ صعد المنبر كالمودِّع للأحياء والأموات (فَقَالَ: إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ) بفتح


(١) في غير (ب) و (س): «لأنَّ أحدًا».
(٢) في (د): «إخبار».
(٣) في (د): «تمنع».
(٤) في (د): «الأمرين».
(٥) في (د): «كلٌّ منهما».

<<  <  ج: ص:  >  >>