للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على محذوفٍ، تقديره (١): النَّاس لا يصبرون عند المصائب ويتفجَّعون، وأنت (يَا رَسُولَ اللهِ) تفعل كفعلهم مع حثِّك على الصَّبر، ونهيك عن الجزع؟! فأجابه (فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا) أي: الحالة الَّتي شاهدتها منِّي (رَحْمَةٌ) ورقَّةٌ وشفقةٌ على الولد، تنبعث عن التَّأمُّل فيما هو عليه، وليست بجزعٍ وقلَّة صبرٍ كما توهَّمت (ثُمَّ أَتْبَعَهَا) (بِأُخْرَى) أي: أتبع الدَّمعة الأولى بدمعةٍ أخرى، أو أتبع الكلمة الأولى المجملة، وهي (٢) قوله: «إنَّها رحمةٌ» بكلمةٍ أخرى مفصَّلةٍ (فَقَالَ) النَّبيُّ (٣) (: إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَُ) بالنَّصب والرَّفع (يَحْزَنُ) لرقَّته من غير سخطٍ لقضاء الله، وفيه جواز الإخبار عن الحزن وإن كان كتمه أَولى، وجواز البكاء على الميِّت قبل موته، نعم يجوز بعده؛ لأنَّه بكى على قبر بنتٍ له، رواه البخاريُّ [خ¦١٢٨٥] وزار قبر أمِّه فبكى، وأبكى مَن حوله، رواه مسلمٌ، ولكنَّه قبل الموت أَولى بالجواز؛ لأنَّه بعد الموت يكون أسفًا على ما فات، وبعد الموت خلاف الأَولى، كذا نقله (٤) في «المجموع» عن الجمهور، لكنَّه (٥) نقل في «الأذكار» عن الشَّافعيِّ والأصحاب: أنَّه مكروهٌ؛ لحديث: «فإذا وجبت فلا تبكيَنَّ باكيةٌ» قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت، رواه الشَّافعيُّ وغيره بأسانيد صحيحةٍ، قال السُّبكيُّ: وينبغي أن يُقال: إن كان البكاء لرقَّةٍ على الميِّت وما يُخشى عليه من عذاب الله وأهوال يوم القيامة فلا يُكْرَه، ولا يكون خلاف الأَولى، وإن كان للجزع وعدم التَّسليم للقضاء فيُكرَه، أو يَحْرُم، وهذا كلُّه في البكاء بصوتٍ، أمَّا مجرَّد دمع العين العاري عن القول والفعل الممنوعَين فلا منع منه، كما قال : (وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ -يَا إِبْرَاهِيمُ- لَمَحْزُونُونَ) أضاف الفعل إلى الجارحة تنبيهًا على أنَّ مثل هذا لا يدخل تحت قدرة العبد، ولا يُكَلَّف الانكفاف عنه، وكأنَّ الجارحة


(١) في (د): «بتقدير».
(٢) في (ب) و (س): «هو».
(٣) «النَّبيُّ»: مثبتٌ من (ص).
(٤) في (ب): «نقل».
(٥) في (د): «لكن».

<<  <  ج: ص:  >  >>