للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْهِ) يحتمل أن يكون جزمها بذلك؛ لكونها سمعت صريحًا من النَّبيِّ اختصاص العذاب بالكافر، أو فهمت ذلك من القرائن (لَكِنْ) بإسقاط الواو، ولأبي ذَرٍّ: «ولكن» (رَسُولُ اللهِ ) بإسكان نون «لكنْ»، فـ «رسولُ» (١) مرفوعٌ، وبتشديدها فهو منصوبٌ (قَالَ: إِنَّ اللهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ القُرْآنُ) أي: كافيكم أيُّها المؤمنون قوله تعالى في (٢) القرآن: (﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]) أي: لا تؤاخَذ نفسٌ بذنب غيرها (٣) (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللهُ (٤) ﴿هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ [النجم: ٤٣]) تقريرٌ لنفي ما ذهب إليه ابن عمر: من أنَّ الميت يُعذَّب ببكاء أهله، وذلك أنَّ بكاء الإنسان وضحكه وحزنه وسروره من الله، يظهرها فيه، فلا أثر لها في ذلك، فعند ذلك سكت ابن عمر، كما (قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاللهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ شَيْئًا) بعد ذلك، لكن قال الزَّين بن المُنيِّر: سكوته لا يدلُّ على الإذعان، فلعلَّه كره المجادلة، وقال القرطبيُّ: ليس سكوته لشكٍّ طرأ له بعدما صرَّح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلًا للتَّأويل، ولم يتعيَّن له محملٌ يحمله عليه إذ ذاك، أو كان المجلس لا يقبل المماراة، ولم تتعيِّن الحاجة حينئذٍ، وقال الخطَّابيُّ: الرِّواية إذا ثبتت لم يكن في دفعها سبيلٌ بالظَّنِّ، وقد رواه عمر وابنه، وليس فيما حكت عائشة ما يرفع (٥) روايتهما لجواز أن يكون الخبران صحيحين معًا، ولا منافاة بينهما، فالميِّت إنَّما تلزمه العقوبة بما تقدَّم من وصيَّته إليهم به وقت حياته، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وهو موجودٌ في أشعارهم كقول طرفة بن العبد:

إذا متُّ فانعيني بما أنا أهلُه … وشُقِّي عليَّ الجيب يا ابنةَ معبدِ

وعلى ذلك حمل الجمهور قوله: «إنَّ الميِّت ليُعذَّب ببكاء أهله عليه» كما مرَّ، وبه قال


(١) زيد في (ب): «الله».
(٢) في (د) و (س): «مِن».
(٣) في (م): «بغير ذنبها» بدلٌ من قوله: «بذنب غيرها».
(٤) في (د): «وللهُ».
(٥) في (د): «يدفع».

<<  <  ج: ص:  >  >>