هذا آخر ما وجدته بخطِّ الحافظ ابن حجرٍ من ذلك، ورأيت في «البخاريِّ» أيضًا حديث أبي هريرة: «كان أهل الكتاب يقرؤون التَّوراة بالعبرانيَّة، ويفسِّرونها بالعربيَّة لأهل الإسلام» في «باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ» من «كتاب الاعتصام»[خ¦٧٣٦٢]، وفي «تفسير سورة البقرة»[خ¦٤٤٨٥]، وفي «باب ما يجوز من تفسير التَّوراة» في «كتاب التَّوحيد»[خ¦٧٥٤٢].
وأمَّا اقتصاره -أي: البخاريِّ- على بعض المتن من غير أن يذكر الباقي في موضعٍ آخر؛ فإنَّه لا يقع له ذلك في الغالب إلَّا حيث يكون المحذوف موقوفًا على الصَّحابيِّ، وفيه شيءٌ قد يُحكَم برفعه، فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع، ويحذف الباقي؛ لأنَّه لا تعلق له بموضوع كتابه، كما وقع له في حديث هُزَيل بن شُرحبيلَ عن ابن مسعودٍ ﵁ قال:«إنَّ أهل الإسلام لا يسيِّبون، وإنَّ أهل الجاهلية كانوا يسيِّبون»[خ¦٦٧٥٣]. هكذا أورده، وهو مختصرٌ من حديثٍ موقوفٍ أوَّله:«جاء رجلٌ إلى عبد الله بن مسعودٍ، فقال: إنِّي أعتقت عبدًا لي سائبةً، فمات وترك مالًا ولم يدَعْ وارثًا، فقال عبد الله: إنَّ أهل الإسلام لا يسيِّبون، وإنَّ أهل الجاهليَّة كانوا يسيِّبون، فأنت وليُّ نعمته، فلَكَ ميراثُه، فإن تأثَّمت وتحرَّجت في شيءٍ فنحن نقبله منك ونجعله في بيت المال». فاقتصر البخاريُّ على ما يُعطَى حكم الرَّفع من هذا الموقوف؛ وهو قوله:«إنَّ أهل الإسلام لا يسيِّبون»؛ لأنَّه يستدعي بعمومه النَّقل عن صاحب الشَّرع لذلك الحكم، واختصر الباقي؛ لأنَّه ليس من موضوع كتابه، وهذا من أخفى المواضع التي وقعت له من هذا الجنس، فقد اتَّضح أنَّه لا يعيد إلَّا لفائدةٍ، حتَّى لو لم يظهر لإعادته فائدةٌ من جهة الإسناد ولا من جهة المتن؛ لكان ذلك لإعادته لأجل مغايرة الحكم الذي تشتمل عليه التَّرجمة الثَّانية موجبًا؛ لئلَّا يُعَدَّ تكرارًا بلا فائدةٍ، كيف لا وهو لا يُخْلِيْهِ مع ذلك من فائدةٍ إسناديَّةٍ، وهي إخراجه للإسناد عن شيخٍ غير الشَّيخ الماضي، أو غير ذلك.