بأن حُفِظت من الاحتمال والاشتباه، فكانت أمَّ الكتاب، فتُحمَل المتشابهات عليها وتُردُّ إليها، ولا يتمُّ ذلك إلَّا للماهر الحاذق في علم التَّفسير والتَّأويل، الحاوي لمقدِّماتٍ يُفتقَر إليها من الأصلين وأقسام العربيَّة، وقوله:«سُنَّةٌ قائمةٌ» معنى قيامها: ثَباتُها ودوامُها بالمُحافَظَة عليها، مِنْ «قامت السُّوق» إذا نَفَقَت؛ لأنَّها إذا حُوفِظ عليها كانت كالشَّيء النَّافق الذي تتوجَّه إليه الرَّغبات، ويتنافس فيه المحصِّلون بالطَّلِبات، ودوامُها: إمَّا أن يكون بحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرِّجال والجرح والتعديل، ومعرفة الأقسام مِنَ الصَّحيح والحسن والضَّعيف المتشعِّب منه أنواعٌ كثيرةٌ، وما يتَّصل بها من المتمِّمات ممَّا يُسمَّى علمَ الاصطلاح، ممَّا يأتي في الفصل الثَّالث إن شاء الله تعالى، وإما أن يكون بحفظ متونها من التَّغيير والتَّبديل؛ بالإتقان وتفهُّم معانيها واستنباط العلوم منها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى (١) في هذا الشَّرح بعون الله سبحانه؛ لأنَّ جُلَّها بل كلَّها من جوامع كَلِمِهِ التي اختُصَّ بها، لا سيَّما هذه الكلمة الفاذَّة الجامعة -مع قِصَر متنها وقُرْب طرقها- علومَ الأوَّلين والآخرين، وقوله:«أو فريضةٌ عادلةٌ» أي: مستقيمةٌ مُستَنبَطَةٌ من الكتاب والسُّنَّة والإجماع، وقوله:«وما سوى ذلك فهو فضلٌ» أي: لا مدخل له في أصل علوم الدِّين، بل ربَّما يُستعاذ منه حينًا، كقوله:«أعوذ بك من علمٍ لا ينفع»، ولله دَرُّ أبي بكرٍ حميدٍ القرطبيِّ، فلقد أحسن وأجاد حيث قال ﵀:
(١) سقط من (ص) قوله: «منها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى».