للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عقب ذلك: «لا أحلف على يمين … » إلى آخره فتأسيس قاعدةٍ مبتدأةٍ كأنَّه يقول: ولو كنت حلفت ثمَّ رأيت ترك ما (١) حلفت عليه خيرًا منه لأحنثت نفسي وكفَّرت عن يميني، قال: وهم إنَّما سألوه ظنًّا أنَّه يملك حملانًا فحلف (٢) لا يحملهم على شيءٍ يملكه؛ لكونه كان حينئذٍ لا يملك شيئًا من ذلك. انتهى. ووجَّهه البدر الدَّمامينيُّ في «مصابيحه»: بأنَّ مكارم أخلاقه ورأفته بالمؤمنين ورحمته بهم تأبى أنَّه يحلف على عدم حملانهم مطلقًا، قال: والذي يظهر لي أنَّ قوله: «وما عندي ما أحملكم» جملةٌ حاليَّةٌ من فاعل الفعل المنفيِّ بـ «لا» أو مفعوله، أي: لا أحملكم في حالة عدم وجداني لشيءٍ أحملكم عليه، أي: إنَّه (٣) لا يتكلَّف حملهم بقرضٍ أو غيره لِمَا رآه من المصلحة المقتضية لذلك، وحينئذٍ فحمله لهم على ما جاءه من مال الله لا يكون مقتضيًا لحنثه، وأُجيب بأنَّ المعنى: إزالة المنَّة عنهم (٤)، وإضافة النِّعمة لمالكها الأصليِّ، ولم يرد أنَّه لا صنع له أصلًا في حملهم؛ لأنَّه لو أراد ذلك ما قال بعد: (إِنِّي) ولأبي ذرٍّ: «وإنِّي» (وَاللهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ) أي: على محلوفِ يمينٍ، وسمَّاه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه، وإلَّا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه، فيكون من مجاز الاستعارة، ومثله صلَّى على قبره بعدما دُفِن، أي: صلَّى على صاحب القبر، وأطلق القبر على صاحب القبر، ويدلُّ لهذا التأويل رواية مسلمٍ حيث قال فيها بدل قوله: «على يمين»: «على أمرٍ» (فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا) أي: خيرًا من الخصلة المحلوف عليها (إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ (٥)، وَتَحَلَّلْتُهَا) بالكفَّارة، وفي «الأيمان والنذور» [خ¦٦٧١٨] «فأرى غيرها خيرًا منها إلَّا كفَّرت عن يميني، وأتيت الذي هو خيرٌ» فقدَّم الكفَّارة على الإتيان، ففيه دلالةٌ على الجواز؛ لأنَّ الواو لا تقتضي التَّرتيب، وقد ذهب أكثر الصَّحابة إلى جواز تقدُّم الكفَّارة على اليمين، وإليه ذهب الشَّافعيُّ ومالكٌ وأحمد إلَّا أنَّ الشَّافعيَّ استثنى الصِّيام (٦)،


(١) في (د): «تركي لما».
(٢) زيد في (د): «أن».
(٣) «إنه»: ليس في (د).
(٤) في (د): «عليهم».
(٥) زيد في غير (د) و (س): «منه»، وكذا في «اليونينيِّة».
(٦) في (ب) و (س): «الصائم».

<<  <  ج: ص:  >  >>