للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَعَالَى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: «فقال الله: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾» فيه حذف مضافٍ، أي: بقراءة صلاتك (﴿وَلَا تُخَافِتْ﴾) لا تخفض صوتك (﴿بِهَا﴾) أي: (لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ) بقراءتها، وسقط لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ «﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾» ولأبي ذرٍّ (١) وحده: «﴿لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾» (حَتَّى يَسْمَعَ المُشْرِكُونَ) فيسبُّوا، واستُشكِل بأنَّ القياس أن يُقال: حتَّى لا يسمع المشركون. وأجاب في «الكواكب»: بأنَّه غايةٌ للمنهيِّ لا للنَّهي (﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ) برفع العين (﴿وَابْتَغِ﴾) اطلب (﴿بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: ١١٠]) وسطًا بين الأمرين، لا الإفراط ولا التَّفريط (أَسْمِعْهُمْ وَلَا تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ القُرْآنَ) قال الحافظ أبو ذرٍّ: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، تقديره: أسمعهم حتَّى يأخذوا عنك القرآن ولا تجهر، والمراد من الحديث قوله: «أنزلت» والآيات المصرِّحة بلفظ الإنزال والتَّنزيل في القرآن كثيرةٌ، والفرق بينهما في وصف القرآن والملائكة كما قال (٢) الرَّاغب: إنَّ التَّنزيل يختصُّ بالموضع الذي يشير إلى إنزاله متفرِّقًا مرَّةً بعد أخرى، والإنزال أعمُّ من ذلك، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: ١] فعبَّر بالإنزال دون التَّنزيل؛ لأنَّ القرآن نزل دفعةً واحدةً إلى سماء الدُّنيا، ثمَّ نزل بعد ذلك شيئًا فشيئًا، ومن الثَّاني قوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ [الإسراء: ١٠٦] ويؤيِّد التَّفصيل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ﴾ [النساء: ١٣٦] فإنَّ المراد بالكتاب الأوَّل القرآن، وبالثَّاني ما عداه، والقرآن نزل نجومًا إلى الأرض بحسب الوقائع؛ بخلاف غيره من الكتب، لكن يَرِدُ على التَّفصيل المذكور قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: ٣٢] وأُجيب بأنَّه أطلق ﴿نُزِّلَ﴾ موضع «أَنْزل» قال: ولولا هذا التَّأويل لكان متدافعًا لقوله: ﴿جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ وهذا بناه على القول: بأنَّ ﴿نُزِّلَ﴾ المشدَّد يقتضي التَّفريق، فاحتاج إلى ادِّعاء ما ذُكِر، وإلَّا فقد قال غيره: إنَّ التَّضعيف لا يستلزم حقيقة التَّكثير بل يَرِدُ للتَّعظيم وهو في حكم التَّكثير يعني: فبهذا يندفع الإشكال. انتهى. من «كتاب فتح الباري» (٣) وسقط لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ من قوله «﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾» إلى قوله: «لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ».


(١) زيد في (ع): «والأَصيليِّ»، وليس بصحيحٍ.
(٢) في (ص): «قاله».
(٣) قوله: «من كتاب فتح الباري»: مثبتٌ من (د) و (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>